قراءة فى كتاب أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء
قراءة فى كتاب أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء
الكتاب من تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد وهو من أهل العصر وهو يدور حول حقيقة الوفاة بين الطب والفقه وقطعا لا يوجد اختلاف فى الإسلام بين الموت الطبى والموت الشرعى وإنما هما واحد وفى موضوع البحث قال أبو زيد
"وبعد، فهذا بحث في نازلة الإنجاز الطبي الحديث في حال المريض تحت جهاز الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الطب والفقه ، ليس لي فيه فضل سوى الجمع والترتيب في مباحثه الخمسة"
عرض أبو زيد لأجهزة الإنعاش الطبى فقال
" المبحث الأول التصور لأجهزة الإنعاش
- أجهزة الإنعاش
- أجهزة الإنعاش المعقدة
- العناية المكثفة
- العناية المركزية
- إبقاء آلة الطبيب
كلها أسماء لمسمى واحد ومن مفرداتها
- جهاز التنفس الصناعي
- جهاز مانع الذبذبات
- جهاز التنظيم لضربات القلب
- العقاقير
- مجموعة الأطباء المدربة ومساعديهم "
وقطعا تلك ألأمور قد تزيد وقد تنقص وقد بين الرجل حقيقة الإنعاش فقال
"حقيقة الإنعاش
إذا أصيب شخص بتوقف القلب أو التنفس نتيجة لإصابة الدماغ بصدمة مثلا، الذي به مركز التنفس، أو إصابته بأي عرض آخر كغرق أو خنق، أو مواد سامة، أو جلطة للقلب، أو اضطراب في النبض فإنه يترقب الأمل بإنعاش ما توقف من دقات قلبه أو تنفسه إذا أدخل في غرفة الإنعاش "العناية الطيبة المكثفة" بوسائلها الحديثة كالمنفسة (جهاز التنفس) ونحوه "
قطعا الإنعاش لا يحى ميت ولكنه يعيد تنظيم عمل العضو وبألفاظ أخرى يساعد العضو على القيام بعمله لكون العضو ما زال حيا وهذا يحدث بالتدريج أو يحدث مرة واحدة
ثم حدثنا عن حقيقة الموت عند أطباء العصر فقال
"المبحث الثاني حقيقة الموت عند الأطباء أو نازلة موت الدماغ
وبحثها في الفقرات التالية
1- تاريخها 2- تكوين الدماغ
3- المفهوم الطبي لموت الدماغ
4- علامات موت الدماغ
وبيانها على ما يلي
1- تاريخها
إن أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ هو المدرسة الفرنسية عام 1959م فيما أسمته "مرحلة ما بعد الإغماء " ثم أعقبتها المدرسة الأمريكية عام 1968م، وأخذت الأبحاث بعد تتسع وتنتشر مبينين عدة أبحاث وهي تكوين الدماغ، ومفهوم موته، وعلاماته، والخلاف بين الأطباء في كون موت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية، إذ عقدت لهذا مؤتمرات وندوات ومنظمات
2- تكوين الدماغ
يتكون الدماغ من أجزاء ثلاثة هي
المخ وهو مركز التفكير، والذاكرة، والإحساس
المخيخ ووظيفته توازن الجسم
جذع المخ وهو المركز الأساسي للتنفس والتحكم في القلب، والدورة الدموية"
لا علاقة للدماغ فى الإنسان بأى نشاط نفسى كالتذكر والتفكر والحلم لأن النفس تخرج خارج الجسم فى النوم وتهعود عند الصحو كما قال تعالى "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى "
ثم قال
"3- مفهوم موت الدماغ
هو توقفه عن العمل تماما وعدم قابليته للحياة
فإذا ما مات المخ أو المخيخ من أجزاء الدماغ أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية وهي ما تسمى بالحياة النباتية
أما إذا مات "جذع الدماغ " فإن هذا هو الذي تصير به نهاية الحياة الإنسانية عند أكثر الأطباء على الصعيد الغربي
ويمكن حصر خلاف الأطباء في ذلك على رأيين
الأول الاعتراف بموت جذع الدماغ نهاية للحياة الإنسانية بدلا من توقف القلب والدورة الدموية
الثاني عدم الاعتراف بموت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية
فيكون الشخص محكوما بموته على الرأي الأول دون الثاني
4- علامات موت الدماغ "جذع المخ"
هي على ما يلي
(أ) الإغماء الكامل
(ب) عدم الحركة
(جـ) عدم التنفس بعد إبعاد جهاز المنفسة
(د) عدم وجود أي انفعالات منعكسة
(هـ) عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء
ويشير الطبيب أحمد شوقي إبراهيم إلى ظنية بعض هذه العلامات فيقول كما في كتاب الحياة الإنسانية ص/ 376
" ما هي علامات موت المخ؟ ليس لدينا من العلم في ذلك إلا رسم المخ الكهربائي وهو قطعي في بعض الحالات، ولا يكون كذلك في بعض الحالات، كحالات التسمم بالأدوية المنومة مثلا"
وفيه أيضا في مبحث فقهي للأستاذ/ توفيق الواعي ص/ 484 قال
"ركز القائلون بالموت إذا فقد المخ الحياة على فقدان الشعور، وهذا لا ينهض دليلا على الموت وإلا كان المجنون والمغمى عليه والمشلول ميتا، وهذا ما لم يقل به إنسان إلى اليوم "
وما دام هناك خلاف فى الطب فى المسألة فلا ينظر لقول الأطباء ثم حدثنا أبو زيد عن حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاماته فقال:
"المبحث الثالث في حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاماته:
"حقيقة الموت عند الفقهاء:
الموت يراد به المنية، المنون، الأجل، الحمام، السام، ونحوها كانقطاع الوتين، وانقطاع الأبهر، جميعها أسماء لمسمى واحد هو مفارقة الروح البدن وهذه هي حقيقة الوفاة عند الفقهاء وتكاد كلمتهم تتوارد على هذا، ولم يتم الوقوف على خلافه في كلامهم من أنه مفارقة الروح البدن
والروح قال الله تعالى في شأنها { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } فأوقف العقل عند حده وأتى على الروح بخبر لا يمكن نقضه، هذا على أحد التفسيرين للآية
ولهذا قال البعض لا يجوز الكلام في الروح لأنه مما استأثر الله بعلمه كما في هذه الآية، والذي عليه الأكثرون الجواز فقالوا الروح جسم نوراني لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، قال الله تعالى { فنفخنا فيها من روحنا } وفي أخرى { فنفخنا فيه من روحنا } والنفخ لا يتحقق إلا في جسم لطيف كما في كتاب أصول الدين للبزدوي ص/ 222 "
الاستشهاد بالاية مردود فلم يستخدم لفظ الروح بمعنى النفس فى القرآن أى بمعنى سر الحياة وألاية فسرها كتاب الله حيث بين الله لنبيه(ص)أن الكفار يسألونه عن الروح والمراد يستفهمون منه عن نزول الوحى عليه خاصة ،ويطلب الله منه أن يقول لهم :الروح من أمر ربى والمراد الوحى من اختصاص إلهى مصداق لقوله بسورة غافر"يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده" ومصداق لقوله بسورة الشورى "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا"
وهذا يعنى أن سبب نزول الوحى عليه هو اصطفاء الله له
والنفح من روح الله لا يعنى روح الإنسان لأنه يقول من روحنا أى رحمتنا وهى أمر الله ثم استشهد الرجل بالتالى:
"وقد جاء حديث عظيم النفع جليل القدر وهو حديث البراء بن عازب الطويل المشهور بطوله في مسند أحمد رحمه الله تعالى، والذي جمع طرفه الدارقطني في جزء مفرد، وبسط ابن القيم القول فيه سندا ومتنا في كتاب الروح قال البراء خرجنا مع رسول الله (ص)في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر إلى أن قال ثم قال رسول الله (ص)في شأن قبض روح المؤمن (( فتخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها ملك الموت )) ، الحديث، وأما الكافر فقال (( فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها )) الحديث
وفي سورة الحاقة قال الله تعالى { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين } قال المفسرون "الوتين نياط القلب، أي لأهلكناه وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه، قاله ابن عباس وأكثر الناس" أهـ، من تفسير القرطبي 18/276 وذكر أقوالا بمعناه "
قطعا الحديث هو عن الموت سواء صدقناه أم كذبناه وأما الآية فلا تتحدث عن الموت فقطع الوتين عن النبى(ص) يعنى قطع الوحى عنه لأنه افترى على الله الأكاذيب ومن ثم لا يكون أمينا على الوحى ومن ثم لا ينزله الله عليه
ثم قال :
"وفي باب مرض النبي (ص)ووفاته من صحيح البخاري في كتاب المغازي 8/ 131 قالت عائشة كان النبي (ص)يقول في مرضه الذي مات فيه (( يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ))
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 131 "قال أهل اللغة الأبهر، عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطابي يقال إن القلب متصل به"
والأبهر في اصطلاح الطب الحديث باسم "الأورطي" وهو شريان يندفع منه الدم إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم كما في بحث البار ص/ 8، 9"
وهذا الاستشهاد هاطىء فالرواية لا تصح لمخالفتها كتاب الله فى قوله" والله يعصمك من الناس" فالرسول(ص) حماه الله من اذى الناس الجسدى ومن ثم لا يمكن أن يسممه أحد والرواية تحكى عن سم تواجد فى الجسم ثلاث سنوات ولا يوجد سم يتل بعد ثلاث سنوات فكل السموم سريعة المفعول بمعنى أنها عندما تحدث مفعول فإن مفعولها لا يتأخر عن بضعة أيام وليس سنوات
ثم نقل الرجل التالى:
"وفي إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 493 نص مهم ترجمه بقوله الباب السابع في حقيقة الموت، وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور، ثم قال بيان حقيقة الموت "اعلم أن للناس في حقيقة الموت ظنونا كاذبة قد أخطئوا فيها" فذكرها وأبطلها ثم قال "وكل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق الاعتبار وتنطلق به الآيات والأخبار أن الموت معناه تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد إلى قوله والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات والروح مستعملة لها، إلى أن قال "نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كنه حقيقة الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة "
وعند قول الطحاوي في "عقيدته" " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين" قال شارحها ص/ 446 في مبحث هل تموت الروح أو لا؟ "والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 223 "قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله (ص)بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب، ويقال لها أخرجي أيتها الروح الطيبة أهـ
الخلاصة
فمن مجموع ما تقدم نستخلص ما يلي
1- أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن
2- وأن حقيقة المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية
أمارات الوفاة عند الفقهاء ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة أن رسول الله (ص)قال (( إن الروح إذا قبض أتبعه البصر ))
وفي حديث شداد بن أوس أن رسول الله (ص)قال (( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرا ؛ فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت )) رواه أحمد
فشخوص بصر المحتضر علامة ظاهرة على قبض روحه ومفارقتها لجسده
والفقهاء يذكرون العلامات والأمارات الظاهرة التي بموجبها يحكم بموت المحتضر كما في حاشية ابن عابدين 1/ 189، والفتاوى الهندية 1/ 154، ومختصر خليل 1/ 37، وروضة الطالبين 2/ 98، وشرح المنهاج 1/ 322، والمغني 2/ 452، ومنتهى الإرادات 1/ 323
وجماع ما ذكروه من العلامات هي
1- انقطاع النفس
2- استرخاء القدمين مع عدم انتصابهما
3- انفصال الكفين
4- ميل الأنف
5- امتداد جلدة الوجه
6- انخساف الصدغين
7- تقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة
8- برودة البدن
وبالجملة فالحكم بالموت بانعدام جميع أمارات الحياة
والملحوظ في هذه الأمارات أنها أدلة وظواهر تدرك بالمشاهدة والحس ويشترك في معرفتها عموم الناس"
الغريب فى أمر الفقهاء أنهم تركوا القرآن بدلا من الاستدلال به والاية التى بها علامتى الموت هى قوله تعالى :
"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحدا أو تسمع لهم ركزا"
هنا علامة الجسد هى أن الأحياء لا يحسون بأى حركة فى الجسم وهى تشمل كل ما قاله الفقهاء وزيادة وعلامة النفس هى عدم سماع الركز وهو الصوت وهو الكلام المعبر عن الحياة سواء قولا أو رمزا
ومن ضمن علامات الجسد النظر وهو ما يسمى شخوص البصر عند انتهاء الخروج كما قال تعالى :
"فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون"
ثم قال أبو زيد:
"تنبيه :
ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك فيقول "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره"
الخلاصة الجامعة للأبحاث المتقدمة
1- أن أجهزة الإنعاش إنجاز طبي مهم في حياة الإنسان
2- أن حقيقة الموت عند الأطباء هي موت جذع الدماغ
3- أن حقيقة الموت عند الفقهاء هي مفارقة الروح البدن
4- أن للموت علامات وأمارات عند الفقهاء وأخرى عند الأطباء، وأن هذه العلامات من الجائز تخلفها عند الفقهاء وعند الأطباء
واعلم أن الأطباء مع الفقهاء في الحكم على عامة الوفيات بالوفاة بمفارقة الروح البدن، والبحث لدى الأطباء بالحكم بنهاية الحياة الإنسانية بموت "جذع الدماغ " هو في الحالات التي تدخل تحت جهاز الإنعاش ، لهذا فإن البحث يعني في حدود حالات ضيقة وهي "ما يدخل تحت جهاز الإنعاش " لا غير، فإلى بيانها "
كما قلت سابقا فى الإسلام الموت الشرعى هو الموت الطبى ففى الإسلام لا يوجد فرق وأصل المسألة هو :
الحالات المشكوك فى موتها أو حياتها
وهذه يجب أن توضع فى الإنعاش لمدة ثلاثة أيام عند الشك وبعد هذا تفصل الأجهزة لمدة خمس دقائق فإن عملت الأجهزة أو بعضها بدون اجهزة الإنعاش فمعنى هذا كون الإنسان حى ويتم إعادة توصيل الأجهزة وتفصل كل ثلاثة أيام لمدة خمس دقائق للتأكد من وجود استجابة جسمية
ثم تناول حالات المريض تحت جهاز الإنعاش فقال:
"المبحث الرابع :
حالات المريض تحت جهاز الإنعاش :
قرر الباحثون من الأطباء والعلماء حصر أحوال المريض في غرفة الإنعاش في صور ثلاث
الصورة الأولى عودة أجهزة المريض من التنفس، وانتظام ضربات القلب إلى حالتها الطبيعية وحينئذ يقرر الطبيب رفع الجهاز، لتحقق السلامة وزوال الخطر
الصورة الثانية
التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض تماما بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما فحينئذ يقرر الطبيب، رفع الجهاز لتحقق الوفاة
الصورة الثالثة
فيها قيام علامات موت الدماغ من الإغماء ، وعدم الحركة، وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ بآلة الطبيب، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب، ولا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض بموت جذع الدماغ مركز الإمداد للقلب، وقرر أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض يتوقف القلب والنفس تماما"
كما قلت سابقا استمرار أى جزء من الجسد فى العمل يعنى الحياة والمراد الأجهزة الرئيسية القلب والدماغ والجهاز التنفسى وهى التى تشغل كل الأعضاء الأخرى
ثم حدثنا عن التكييف الفقهي لهذه النازلة فقال:
"المبحث الخامس:
التكييف الفقهي لهذه النازلة :
أما في الصورتين الأولى والثانية، فلا ينبغي الخلاف برفع جهاز الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية
وأما في الصورة الثالثة فهي محل البحث والنظر في هذه النازلة، وعليها ترد الأسئلة الثلاثة الآتية
1- ما حكم رفع جهاز الإنعاش ؟
2- ما حكم نزع عضو منه كالقلب ونحوه - وهو تحت الإنعاش - لحي آخر؟
3- هل تنسحب عليه أحكام الميت من التوارث وغيره، في هذه الصورة التي تحقق فيها موت جذع الدماغ ، وقيام نبضات القلب والتنفس تحت الأجهزة الآلية؟
هذه هي الأسئلة الثلاثة الواردة حالا على هذه النازلة
وبعد التصور الطبي لها مستخلصا من كلام الأطباء الباحثين لها فإن التكييف الفقهي ببيان الحكم التكليفي لهذه الأسئلة الثلاثة هو فرع عن بيان الحكم الشرعي لحقيقة الوفاة عند الأطباء، "موت جذع الدماغ" هل هذه الحقيقة مسلمة شرعا أم لا؟
وعليه
فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع أن اليقين لا يزول بالشك ، ونظرا لوجود عدة وقائع يقرر فيها موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية ، وص/ من بحث البار، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله"
فإنه لهذه التسبيبات فإنه لا يظهر أن موت الدماغ في هذه الصورة الثالثة هو "حقيقة الوفاة" فتنسحب عليه أحكام الأموات، ولكن ليس ثمة ما يمنع من كون هذا الاكتشاف الطبي الباهر علامة وأمارة على الوفاة لهذا قال الأستاذ الشربيني في بحثه من كتاب الحياة الإنسانية
"وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت أحدهما توقف الدماغ، والآخر توقف القلب والتنفس ، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار ؛ وهي موت جذع الدماغ في كل الأحوال، إذ إن ذلك هو ما يحدث أيضا عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان"
فكما لا يسوغ إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب - كما حرره النووي - لوجود الشك فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب وتردد التنفس تحت الآلات وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع
وما يذكره العلماء عرضا في بعض التراجم من أن فلانا عاش بعد الموت أو تكلم بعد الموت
وكذلك يقال أيضا إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة وليس هو كل الوفاة بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ثم يحيا ذلك الإنسان
فيعود الأمر إذن إلى ما قرره العلماء من أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن وحينئذ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول
"باستعصاء الأعضاء على الروح" أي حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح، وبناء على تحرر هذه النتيجة يمكننا الوصول إلى الجواب فقها للأسئلة الثلاثة فيقال
إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة هي عن عضو مازالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر
1- فإذا قرر الطبيب أن الشخص ميئوس منه جاز رفع آلة الطبيب لأنه لا يوقف علاجا يرجى منه شفاء المريض، وإنما يوقف إجراء لا طائل من ورائه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار
لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه، بمجرد رفع الآلة بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع كثيرة
2- أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميئوس منه أو استوى لديه الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة "
كما سبق القول عمل أى جهاز من أجهزة الجسم الرئيسية هو دليل وجود الحياة وطالما استمر عمله بعد نزع الأجهزة لمدة خمس دقائق تعاد الأجهزة للمريض وتفصل عنه كل فترة للتأكد من كون العضو ما زال يعمل ولا يحكم بوفاته إلا عند توقف الثلاثة معا
الكتاب من تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد وهو من أهل العصر وهو يدور حول حقيقة الوفاة بين الطب والفقه وقطعا لا يوجد اختلاف فى الإسلام بين الموت الطبى والموت الشرعى وإنما هما واحد وفى موضوع البحث قال أبو زيد
"وبعد، فهذا بحث في نازلة الإنجاز الطبي الحديث في حال المريض تحت جهاز الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الطب والفقه ، ليس لي فيه فضل سوى الجمع والترتيب في مباحثه الخمسة"
عرض أبو زيد لأجهزة الإنعاش الطبى فقال
" المبحث الأول التصور لأجهزة الإنعاش
- أجهزة الإنعاش
- أجهزة الإنعاش المعقدة
- العناية المكثفة
- العناية المركزية
- إبقاء آلة الطبيب
كلها أسماء لمسمى واحد ومن مفرداتها
- جهاز التنفس الصناعي
- جهاز مانع الذبذبات
- جهاز التنظيم لضربات القلب
- العقاقير
- مجموعة الأطباء المدربة ومساعديهم "
وقطعا تلك ألأمور قد تزيد وقد تنقص وقد بين الرجل حقيقة الإنعاش فقال
"حقيقة الإنعاش
إذا أصيب شخص بتوقف القلب أو التنفس نتيجة لإصابة الدماغ بصدمة مثلا، الذي به مركز التنفس، أو إصابته بأي عرض آخر كغرق أو خنق، أو مواد سامة، أو جلطة للقلب، أو اضطراب في النبض فإنه يترقب الأمل بإنعاش ما توقف من دقات قلبه أو تنفسه إذا أدخل في غرفة الإنعاش "العناية الطيبة المكثفة" بوسائلها الحديثة كالمنفسة (جهاز التنفس) ونحوه "
قطعا الإنعاش لا يحى ميت ولكنه يعيد تنظيم عمل العضو وبألفاظ أخرى يساعد العضو على القيام بعمله لكون العضو ما زال حيا وهذا يحدث بالتدريج أو يحدث مرة واحدة
ثم حدثنا عن حقيقة الموت عند أطباء العصر فقال
"المبحث الثاني حقيقة الموت عند الأطباء أو نازلة موت الدماغ
وبحثها في الفقرات التالية
1- تاريخها 2- تكوين الدماغ
3- المفهوم الطبي لموت الدماغ
4- علامات موت الدماغ
وبيانها على ما يلي
1- تاريخها
إن أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ هو المدرسة الفرنسية عام 1959م فيما أسمته "مرحلة ما بعد الإغماء " ثم أعقبتها المدرسة الأمريكية عام 1968م، وأخذت الأبحاث بعد تتسع وتنتشر مبينين عدة أبحاث وهي تكوين الدماغ، ومفهوم موته، وعلاماته، والخلاف بين الأطباء في كون موت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية، إذ عقدت لهذا مؤتمرات وندوات ومنظمات
2- تكوين الدماغ
يتكون الدماغ من أجزاء ثلاثة هي
المخ وهو مركز التفكير، والذاكرة، والإحساس
المخيخ ووظيفته توازن الجسم
جذع المخ وهو المركز الأساسي للتنفس والتحكم في القلب، والدورة الدموية"
لا علاقة للدماغ فى الإنسان بأى نشاط نفسى كالتذكر والتفكر والحلم لأن النفس تخرج خارج الجسم فى النوم وتهعود عند الصحو كما قال تعالى "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى "
ثم قال
"3- مفهوم موت الدماغ
هو توقفه عن العمل تماما وعدم قابليته للحياة
فإذا ما مات المخ أو المخيخ من أجزاء الدماغ أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية وهي ما تسمى بالحياة النباتية
أما إذا مات "جذع الدماغ " فإن هذا هو الذي تصير به نهاية الحياة الإنسانية عند أكثر الأطباء على الصعيد الغربي
ويمكن حصر خلاف الأطباء في ذلك على رأيين
الأول الاعتراف بموت جذع الدماغ نهاية للحياة الإنسانية بدلا من توقف القلب والدورة الدموية
الثاني عدم الاعتراف بموت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية
فيكون الشخص محكوما بموته على الرأي الأول دون الثاني
4- علامات موت الدماغ "جذع المخ"
هي على ما يلي
(أ) الإغماء الكامل
(ب) عدم الحركة
(جـ) عدم التنفس بعد إبعاد جهاز المنفسة
(د) عدم وجود أي انفعالات منعكسة
(هـ) عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء
ويشير الطبيب أحمد شوقي إبراهيم إلى ظنية بعض هذه العلامات فيقول كما في كتاب الحياة الإنسانية ص/ 376
" ما هي علامات موت المخ؟ ليس لدينا من العلم في ذلك إلا رسم المخ الكهربائي وهو قطعي في بعض الحالات، ولا يكون كذلك في بعض الحالات، كحالات التسمم بالأدوية المنومة مثلا"
وفيه أيضا في مبحث فقهي للأستاذ/ توفيق الواعي ص/ 484 قال
"ركز القائلون بالموت إذا فقد المخ الحياة على فقدان الشعور، وهذا لا ينهض دليلا على الموت وإلا كان المجنون والمغمى عليه والمشلول ميتا، وهذا ما لم يقل به إنسان إلى اليوم "
وما دام هناك خلاف فى الطب فى المسألة فلا ينظر لقول الأطباء ثم حدثنا أبو زيد عن حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاماته فقال:
"المبحث الثالث في حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاماته:
"حقيقة الموت عند الفقهاء:
الموت يراد به المنية، المنون، الأجل، الحمام، السام، ونحوها كانقطاع الوتين، وانقطاع الأبهر، جميعها أسماء لمسمى واحد هو مفارقة الروح البدن وهذه هي حقيقة الوفاة عند الفقهاء وتكاد كلمتهم تتوارد على هذا، ولم يتم الوقوف على خلافه في كلامهم من أنه مفارقة الروح البدن
والروح قال الله تعالى في شأنها { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } فأوقف العقل عند حده وأتى على الروح بخبر لا يمكن نقضه، هذا على أحد التفسيرين للآية
ولهذا قال البعض لا يجوز الكلام في الروح لأنه مما استأثر الله بعلمه كما في هذه الآية، والذي عليه الأكثرون الجواز فقالوا الروح جسم نوراني لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، قال الله تعالى { فنفخنا فيها من روحنا } وفي أخرى { فنفخنا فيه من روحنا } والنفخ لا يتحقق إلا في جسم لطيف كما في كتاب أصول الدين للبزدوي ص/ 222 "
الاستشهاد بالاية مردود فلم يستخدم لفظ الروح بمعنى النفس فى القرآن أى بمعنى سر الحياة وألاية فسرها كتاب الله حيث بين الله لنبيه(ص)أن الكفار يسألونه عن الروح والمراد يستفهمون منه عن نزول الوحى عليه خاصة ،ويطلب الله منه أن يقول لهم :الروح من أمر ربى والمراد الوحى من اختصاص إلهى مصداق لقوله بسورة غافر"يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده" ومصداق لقوله بسورة الشورى "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا"
وهذا يعنى أن سبب نزول الوحى عليه هو اصطفاء الله له
والنفح من روح الله لا يعنى روح الإنسان لأنه يقول من روحنا أى رحمتنا وهى أمر الله ثم استشهد الرجل بالتالى:
"وقد جاء حديث عظيم النفع جليل القدر وهو حديث البراء بن عازب الطويل المشهور بطوله في مسند أحمد رحمه الله تعالى، والذي جمع طرفه الدارقطني في جزء مفرد، وبسط ابن القيم القول فيه سندا ومتنا في كتاب الروح قال البراء خرجنا مع رسول الله (ص)في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر إلى أن قال ثم قال رسول الله (ص)في شأن قبض روح المؤمن (( فتخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها ملك الموت )) ، الحديث، وأما الكافر فقال (( فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها )) الحديث
وفي سورة الحاقة قال الله تعالى { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين } قال المفسرون "الوتين نياط القلب، أي لأهلكناه وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه، قاله ابن عباس وأكثر الناس" أهـ، من تفسير القرطبي 18/276 وذكر أقوالا بمعناه "
قطعا الحديث هو عن الموت سواء صدقناه أم كذبناه وأما الآية فلا تتحدث عن الموت فقطع الوتين عن النبى(ص) يعنى قطع الوحى عنه لأنه افترى على الله الأكاذيب ومن ثم لا يكون أمينا على الوحى ومن ثم لا ينزله الله عليه
ثم قال :
"وفي باب مرض النبي (ص)ووفاته من صحيح البخاري في كتاب المغازي 8/ 131 قالت عائشة كان النبي (ص)يقول في مرضه الذي مات فيه (( يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ))
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 131 "قال أهل اللغة الأبهر، عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطابي يقال إن القلب متصل به"
والأبهر في اصطلاح الطب الحديث باسم "الأورطي" وهو شريان يندفع منه الدم إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم كما في بحث البار ص/ 8، 9"
وهذا الاستشهاد هاطىء فالرواية لا تصح لمخالفتها كتاب الله فى قوله" والله يعصمك من الناس" فالرسول(ص) حماه الله من اذى الناس الجسدى ومن ثم لا يمكن أن يسممه أحد والرواية تحكى عن سم تواجد فى الجسم ثلاث سنوات ولا يوجد سم يتل بعد ثلاث سنوات فكل السموم سريعة المفعول بمعنى أنها عندما تحدث مفعول فإن مفعولها لا يتأخر عن بضعة أيام وليس سنوات
ثم نقل الرجل التالى:
"وفي إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 493 نص مهم ترجمه بقوله الباب السابع في حقيقة الموت، وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور، ثم قال بيان حقيقة الموت "اعلم أن للناس في حقيقة الموت ظنونا كاذبة قد أخطئوا فيها" فذكرها وأبطلها ثم قال "وكل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق الاعتبار وتنطلق به الآيات والأخبار أن الموت معناه تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد إلى قوله والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات والروح مستعملة لها، إلى أن قال "نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كنه حقيقة الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة "
وعند قول الطحاوي في "عقيدته" " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين" قال شارحها ص/ 446 في مبحث هل تموت الروح أو لا؟ "والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 223 "قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله (ص)بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب، ويقال لها أخرجي أيتها الروح الطيبة أهـ
الخلاصة
فمن مجموع ما تقدم نستخلص ما يلي
1- أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن
2- وأن حقيقة المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية
أمارات الوفاة عند الفقهاء ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة أن رسول الله (ص)قال (( إن الروح إذا قبض أتبعه البصر ))
وفي حديث شداد بن أوس أن رسول الله (ص)قال (( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرا ؛ فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت )) رواه أحمد
فشخوص بصر المحتضر علامة ظاهرة على قبض روحه ومفارقتها لجسده
والفقهاء يذكرون العلامات والأمارات الظاهرة التي بموجبها يحكم بموت المحتضر كما في حاشية ابن عابدين 1/ 189، والفتاوى الهندية 1/ 154، ومختصر خليل 1/ 37، وروضة الطالبين 2/ 98، وشرح المنهاج 1/ 322، والمغني 2/ 452، ومنتهى الإرادات 1/ 323
وجماع ما ذكروه من العلامات هي
1- انقطاع النفس
2- استرخاء القدمين مع عدم انتصابهما
3- انفصال الكفين
4- ميل الأنف
5- امتداد جلدة الوجه
6- انخساف الصدغين
7- تقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة
8- برودة البدن
وبالجملة فالحكم بالموت بانعدام جميع أمارات الحياة
والملحوظ في هذه الأمارات أنها أدلة وظواهر تدرك بالمشاهدة والحس ويشترك في معرفتها عموم الناس"
الغريب فى أمر الفقهاء أنهم تركوا القرآن بدلا من الاستدلال به والاية التى بها علامتى الموت هى قوله تعالى :
"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحدا أو تسمع لهم ركزا"
هنا علامة الجسد هى أن الأحياء لا يحسون بأى حركة فى الجسم وهى تشمل كل ما قاله الفقهاء وزيادة وعلامة النفس هى عدم سماع الركز وهو الصوت وهو الكلام المعبر عن الحياة سواء قولا أو رمزا
ومن ضمن علامات الجسد النظر وهو ما يسمى شخوص البصر عند انتهاء الخروج كما قال تعالى :
"فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون"
ثم قال أبو زيد:
"تنبيه :
ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك فيقول "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره"
الخلاصة الجامعة للأبحاث المتقدمة
1- أن أجهزة الإنعاش إنجاز طبي مهم في حياة الإنسان
2- أن حقيقة الموت عند الأطباء هي موت جذع الدماغ
3- أن حقيقة الموت عند الفقهاء هي مفارقة الروح البدن
4- أن للموت علامات وأمارات عند الفقهاء وأخرى عند الأطباء، وأن هذه العلامات من الجائز تخلفها عند الفقهاء وعند الأطباء
واعلم أن الأطباء مع الفقهاء في الحكم على عامة الوفيات بالوفاة بمفارقة الروح البدن، والبحث لدى الأطباء بالحكم بنهاية الحياة الإنسانية بموت "جذع الدماغ " هو في الحالات التي تدخل تحت جهاز الإنعاش ، لهذا فإن البحث يعني في حدود حالات ضيقة وهي "ما يدخل تحت جهاز الإنعاش " لا غير، فإلى بيانها "
كما قلت سابقا فى الإسلام الموت الشرعى هو الموت الطبى ففى الإسلام لا يوجد فرق وأصل المسألة هو :
الحالات المشكوك فى موتها أو حياتها
وهذه يجب أن توضع فى الإنعاش لمدة ثلاثة أيام عند الشك وبعد هذا تفصل الأجهزة لمدة خمس دقائق فإن عملت الأجهزة أو بعضها بدون اجهزة الإنعاش فمعنى هذا كون الإنسان حى ويتم إعادة توصيل الأجهزة وتفصل كل ثلاثة أيام لمدة خمس دقائق للتأكد من وجود استجابة جسمية
ثم تناول حالات المريض تحت جهاز الإنعاش فقال:
"المبحث الرابع :
حالات المريض تحت جهاز الإنعاش :
قرر الباحثون من الأطباء والعلماء حصر أحوال المريض في غرفة الإنعاش في صور ثلاث
الصورة الأولى عودة أجهزة المريض من التنفس، وانتظام ضربات القلب إلى حالتها الطبيعية وحينئذ يقرر الطبيب رفع الجهاز، لتحقق السلامة وزوال الخطر
الصورة الثانية
التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض تماما بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما فحينئذ يقرر الطبيب، رفع الجهاز لتحقق الوفاة
الصورة الثالثة
فيها قيام علامات موت الدماغ من الإغماء ، وعدم الحركة، وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ بآلة الطبيب، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب، ولا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض بموت جذع الدماغ مركز الإمداد للقلب، وقرر أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض يتوقف القلب والنفس تماما"
كما قلت سابقا استمرار أى جزء من الجسد فى العمل يعنى الحياة والمراد الأجهزة الرئيسية القلب والدماغ والجهاز التنفسى وهى التى تشغل كل الأعضاء الأخرى
ثم حدثنا عن التكييف الفقهي لهذه النازلة فقال:
"المبحث الخامس:
التكييف الفقهي لهذه النازلة :
أما في الصورتين الأولى والثانية، فلا ينبغي الخلاف برفع جهاز الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية
وأما في الصورة الثالثة فهي محل البحث والنظر في هذه النازلة، وعليها ترد الأسئلة الثلاثة الآتية
1- ما حكم رفع جهاز الإنعاش ؟
2- ما حكم نزع عضو منه كالقلب ونحوه - وهو تحت الإنعاش - لحي آخر؟
3- هل تنسحب عليه أحكام الميت من التوارث وغيره، في هذه الصورة التي تحقق فيها موت جذع الدماغ ، وقيام نبضات القلب والتنفس تحت الأجهزة الآلية؟
هذه هي الأسئلة الثلاثة الواردة حالا على هذه النازلة
وبعد التصور الطبي لها مستخلصا من كلام الأطباء الباحثين لها فإن التكييف الفقهي ببيان الحكم التكليفي لهذه الأسئلة الثلاثة هو فرع عن بيان الحكم الشرعي لحقيقة الوفاة عند الأطباء، "موت جذع الدماغ" هل هذه الحقيقة مسلمة شرعا أم لا؟
وعليه
فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع أن اليقين لا يزول بالشك ، ونظرا لوجود عدة وقائع يقرر فيها موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية ، وص/ من بحث البار، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله"
فإنه لهذه التسبيبات فإنه لا يظهر أن موت الدماغ في هذه الصورة الثالثة هو "حقيقة الوفاة" فتنسحب عليه أحكام الأموات، ولكن ليس ثمة ما يمنع من كون هذا الاكتشاف الطبي الباهر علامة وأمارة على الوفاة لهذا قال الأستاذ الشربيني في بحثه من كتاب الحياة الإنسانية
"وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت أحدهما توقف الدماغ، والآخر توقف القلب والتنفس ، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار ؛ وهي موت جذع الدماغ في كل الأحوال، إذ إن ذلك هو ما يحدث أيضا عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان"
فكما لا يسوغ إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب - كما حرره النووي - لوجود الشك فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب وتردد التنفس تحت الآلات وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع
وما يذكره العلماء عرضا في بعض التراجم من أن فلانا عاش بعد الموت أو تكلم بعد الموت
وكذلك يقال أيضا إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة وليس هو كل الوفاة بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ثم يحيا ذلك الإنسان
فيعود الأمر إذن إلى ما قرره العلماء من أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن وحينئذ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول
"باستعصاء الأعضاء على الروح" أي حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح، وبناء على تحرر هذه النتيجة يمكننا الوصول إلى الجواب فقها للأسئلة الثلاثة فيقال
إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة هي عن عضو مازالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر
1- فإذا قرر الطبيب أن الشخص ميئوس منه جاز رفع آلة الطبيب لأنه لا يوقف علاجا يرجى منه شفاء المريض، وإنما يوقف إجراء لا طائل من ورائه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار
لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه، بمجرد رفع الآلة بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع كثيرة
2- أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميئوس منه أو استوى لديه الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة "
كما سبق القول عمل أى جهاز من أجهزة الجسم الرئيسية هو دليل وجود الحياة وطالما استمر عمله بعد نزع الأجهزة لمدة خمس دقائق تعاد الأجهزة للمريض وتفصل عنه كل فترة للتأكد من كون العضو ما زال يعمل ولا يحكم بوفاته إلا عند توقف الثلاثة معا
رضا البطاوى- المساهمات : 1554
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى