قراءة فى كتاب الفلك عند ابن رشد
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب الفلك عند ابن رشد
قراءة فى كتاب الفلك عند ابن رشد أو المشروع الفلكي الرشدي
مؤلف الكتاب أو البحث لؤي بلال من أهل العصر وهو يدور حول آراء ابن رشد فى علم الهيئة المسمى علم الفلك ويتساءل بلال فى أول البحث فيقول:
"اسمحوا لي أن أبدأ بطرح سؤال أنيق الشكل:
هل كان ثمة مشروع فلكي سعى إليه ابن رشد خاص به، أم إن آراءه وأفكاره في الفلك كانت تحصيل حاصل لفلسفته عموما، ولتحصيله للعلم الطبيعي على الخصوص؟ أي إن ابن رشد تفلسف في الفلك (وهذا ما أعتقد أنا)، أو بمعنى آخر لو أعدنا طرح السؤال الأول بشكل آخر: هل كان ابن رشد يشعر (بوعي كامل) بضرورة وجود نظام فلكي يضع حدا للأقاويل والآراء المختلفة بشأن هيئة السماء (وكانت بالطبع هيئة بطلميوس) المتداولة بين الناس وبين الفلكيين أيضا، بحيث يكون ذاك النظام المقترح بديلا عنها جميعها خاصة وأن ابن رشد شهد وخبر الكثير من المحاولات الجارية لإصلاح هيئة بطلميوس، المتضمنة في كتابه الشهير المجسطي؟.
فهل كان يطلب الحقيقة الفلكية خدمة لعلم الفلك، تماما كأي باحث يهذا العلم، وإن بحثه يهدف بالنتيجة إلى تطويره، وفي النهاية إلى علم الهيئة الصحيح؟ "
وبعد أن طرح بلال أسئلته عن ابن رشد وعلم الفلك أجاب قائلا:
"في الحقيقة كان الفلك بالنسبة إليه مبحثا طبيعيا يدخل ضمن منظومة فلسفية أرسطية، وعاها ابن رشد جيدا وفهم منطقها وأنواع براهينها ومستويات المعرفة فيها وهي منظومة متكاملة أدلت بدلوها في الوجود بما هو موجود بالفعل. وما يمكن تصوره"
الإجابة إذا أن اهتمام ابن رشد بالفلك كان جزء من ضمن الكل وهو فلسفة ابن رشد وحاول بلال أن يفصل إجابته من خلال تتبع أراء الرجل فى كتبه الفلسفية والطبية فقال:
"إن هذه التساؤلات وجهت منهج البحث عندي، وجعلت مهمتي تتبع آراء ابن رشد الفلكية في مؤلفاته الأصلية الفلسفية كفصل المقال وتهافت التهافت، ومؤلفاته الفلكية، مؤلفاته الطبية أيضا لأننا مثلا نراه، في شرحه على أرجوزة ابن سينا في الطب، يبدي رأيه في معارضة التنجيم، وحركة الأفلاك، والكثير من آرائه في الآثار العلوية، سنراها حيث يعرض في الكليات رأيه في الجسم الطبيعي والإسطقسات أي العناصر الأربعة وهكذا.
ومع ذلك قصدنا، كهدف أول، إلى شروح ابن رشد، على كتاب أرسطو في السماء والعالم. وهي موجودة في كتاب (تلخيص السماء والعالم لابن رشد) (وهو من مطبوعات كلية الآداب والفلسفة في مراكش في المغرب):
وبين بلال أنه اراد بالبحث أمرين 1-استخراج المقولات العلمية التي اعتقد ابن رشد بصوابها في الكتاب، 2-فهم تأويلات ابن رشد للنص الأرسطي وفى هذا قال:
"وكنا نريد أمرين اثنين الأول: استخراج المقولات العلمية التي اعتقد ابن رشد بصوابها في الكتاب، ونكون بذلك وقفنا على مكانة ابن رشد في علم الفلك النظري، أو كما كان يشاء أن يسميه بعلم النجوم التعاليمي. وكواحد من أصحاب التعاليم، (وبالطبع هو لا يقبل هذه التسمية منا إذ لطالما وضع ابن رشد حدا فاصلا بين العالم الفلكي التعليمي أو التعاليمي، وبين عالم الفلك الطبيعي، الذي كان على الأغلب فيلسوفا والفرق بينهما كما قال ابن رشد في شرحه المطول على كتاب السماء والعالم:
"تشارك الطبيعي والمنجم في النظر في هذه المسائل (ويقصد المسائل الفلكية) ولكن المنجم في الأغلب يشرح الكيفية، أما الطبيعي فيشرح الصلة، وما يعطيه المنجم (الفلكي التعاليمي) إنما هو ما يظهر للحس من ترتيب الأفلاك، وكيفية حركاتها وعددها، ووضعها إلى بعضها البعض، فيعرف مثلا ترتيبها من كسف بعضها لبعض.
أما الطبيعي فيشتغل بتعليل ذلك .. فلا يبعد أن المنجم يأتي في الأغلب بعلة غير العلة الطبيعية فالمنجم يعتبر العلل المجردة عن المادة، والطبيعي يعتبر العلل الكائنة مع المادة ".
ومن ذلك نرى اعتقاد ابن رشد أن البحث عن حقيقة الحركات وعللها يكون على المشتغلين بالحكمة الطبيعية والإلهية أي الفلاسفة وهذا ما قاده كما سنرى إلى نوعين من البراهين لإثبات الحقيقة الفلكية بشكل خاص والحقيقة المطلوبة في أي حقل معرفي بشكل عام.
الأمر الثاني: هو أن نفهم تأويلات ابن رشد للنص الأرسطي، في المراجعة التي يتدخل فيها ابن رشد على النص الأرسطي، ممعنا في الشرح، ومؤازرا معلمه أرسطو، فهو ممثل الحقيقة لديه أرسطو.
وقد وجدنا من المفيد، لفهم ابن رشد أن نتقمص روحه ومنهجه، إذا شئنا استخراج المقولات العلمية الرشدية من كتابه تلخيص السماء والعالم. وهذه الطريقة تفيدنا أيضا في فهم محاولة ابن رشد لبناء مشروع فلكي، وأعني بها على سبيل الفرض لا النتيجة وستكشف لنا مكانة ابن رشد العلمية في علم الفلك كما نفهمه اليوم نحن، دون محاباة أو انتقاص شأن وعلى هذا، والتزاما منا بما تقرر من اتباع المنهج الرشدي في دراسته، لاسيما وأنه كان لا يقبل الخوض في أي مبحث أو علم إلا بافتراض المقدمات الأولية اللازمة لذلك المبحث أو العلم والتسليم بصدقها مع شرط أن تكون المقدمات من جنس الموضوع أو العلم المفحوص، بحيث تكون المقدمات طبيعية، إذا كان البحث المطلوب في العلم الطبيعي، وتعاليميه إذا كان في العلوم التعاليمية (وهي الحساب والفلك ... الخ) أما البراهين فتنتمي أيضا إلى جنس الموضوع المفحوص ذاته فالبرهان الطبيعي إذا كان المطلب طبيعيا ومقصودا في العلم الطبيعي، والبرهان التعليمي إذا كان المطلب تعليميا ومقصودا في العلم التعاليمي.
أما الأنواع الأخرى من البراهين الرشدية فمنها البرهان الخطبي، وهو أقل مرتبة من النوعين المذكورين أما القياس اليقيني فقد استخدمه ابن رشد بين النوعين الأولين، حينما كان المطلب عسيرا على الفحص لقلة المقدمات، وقد لجأ إليه أكثر من مرة في تلخيصه لكتاب السماء والعالم. وتجدر الإشارة هنا إلى نوع آخر من القياس يدعوه بالظني، أباح استخدامه في تأويل الشرع لغاية عملية
لقد احتجنا (كابن رشد) إلى مقدمات أولية (لا نفرضها دوغمائيا بل نستقرؤها) لتلمس المشروع الفلكي الرشدي من خلال معرفة واقع علم الفلك أيام ابن رشد هذا أولا ومقولاته في أنواعه وتصنيفاته الفلكية وغير الفلكية ثانيا، وموقفه من علم الفلك في زمانه ثالثا.
أما الهدف من هذه المقدمات فقد كان دائما طلب الحقيقة التي هي بالنسبة إلينا في هذا البحث الإجابة عن السؤال الذي طرحناه منذ البداية.
والإفاضة في معرفة مدى أصالته (أقصد مشروع ابن رشد) وما كان تأثيره في التطور الذي لحق بعلم الفلك فيما بعد. وما هي دلالاته لفهم النظرية الطبيعية في الفيزياء الحديثة والعلوم الطبيعية إلى أيام نيوتن وماكسويل.
سنحتاج هنا إلى مقدمة وجيزة لتاريخ النظريات الفلكية اليونانية، التي كانت ماثلة بلا شك لابن رشد، سواء باطلاعه عليها بشكل مباشر في كتب أصحابها، أو عن طريق تعامله معها أثناء شروحه على كتاب السماء والعالم. إذ كان أرسطو قد ضمنها جميع أقوال القدماء تقريبا، بما فيها من اختلاف واتفاق فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبينه (أعني أرسطو) من جهة أخرى"
ما قاله لؤى بلال هو لا علاقة به بالعلم الحقيقى فمدار البحث هو علم الفلسفة وبراهينه وهى مجرد أقوال دون مشاهدة لأن المشاهدة اساسا محالة وهى خروج الإنسان من الأرض ورؤيته للسموات وقد بين الله أن الناس يقدرون على الصعود للسماء أو النزول للأرض ولكن مصيرهم هو الهلاك وفى هذا قال تعالى:
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان مبين فبأى آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران"
وبين الله أن المحال لو حدث وهو الصعود للسموات والدخول فيها سيكون رد فعل الصاعد أنه سيقول أنه مسحور وفى هذا قال تعالى :
"ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون:
إذا فى كل الأحوال علك الفلك أو الهيئة لا يمكن أن يكون عن مشاهدة حقيقية ولا عن طريق الكلام وهو الفلسفة لأنه كلام من لم يرى ومن ثم لا يتبقى سوى كلام الخالق لأنه اعلم بمن خلق كما قال تعالى :
" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
إذا الحقيقة فى علم الفلك لا يمكن أن تستقى إلا من طريق واحد وهو كلام الخالق الذى خلق ورأى ما خلق ومن ثم فما سيذكره بلال من بقية البحث يجب أن يعى القارىء أنه حديث شاهد لم يشاهد شىء
قال بلال مستعرضا تاريخ الفلك اليوانى:
"إذا استعرضنا تاريخ الفلك اليوناني، منذ القرن الرابع ق. م وحتى كوبرنيكوس (في القرن السادس عشر للميلاد) فإننا سنقف على اتجاهين رئيسين:
الأول: اتجاه رياضي والثاني: اتجاه طبيعي (فيزيائي) أو كوسمولوجي.
الأول: بدأ مع فيثاغورس وتزعمه أفلاطون، وأطلق دعوته الشهيرة والتي عرفت فيما بعد بالمشكلة الأفلاطونية، وهي (إنقاذ الظواهر) وقد وصل هذا الاتجاه لذروته مع بطلميوس، الذي بقي تأثيره إلى أيام كوبر نيكوس. وتتلخص مقولة هذا الاتجاه بتمثيل الكون تمثيلا رياضيا، وذلك بوضع فروض وصيغ رياضية وهندسية تؤدي إلى الفهم والتنبؤ بالأحداث الظاهرة في الكون، كالخسوف والحركات الكثيرة للكواكب المتحيرة وقد فرض هذا الاتجاه هيئة للسماء رياضية بحتة، ولم يعترف بواقعية الوجود المحسوس إلا من جهة هو وجود ناقص.
والخلاصة، كان إنقاذ الظواهر هو هدف البحث في هذا الاتجاه الرياضي. وبالطبع تمكن هذا الاتجاه من رصد كثير من الحركات السماوية، والتنبوء بالمشاهدات الفلكية، وتحقيق الغرض العملي والنفعي من معارف علم الفلك، كالتقاويم والكسوف والأوقات وغيرها ...
إن هذا الاتجاه يقول بإمكانية التعبير عن الحقيقة (النتيجة) أو الوصول إليها انطلاقا من فرضيات كثيرة مختلفة ولا يبحث هذا الاتجاه بالعلل أو الأسباب ولا بالماهية، فالموجودات من الأجرام السماوية هي جميعها نقاط رياضية.
ووظيفة الفلكي الرياضي أن يبين أن ما يظهر من عدم انتظام في حركات السيارات أو الكواكب المتحيرة الخمسة إنما يمكن تفسيره بأنه آت نتيجة حركات دائرية ومنتظمة تكون في اتجاه واحد لا يتغير هذا ما كان المقصود بإنقاذ الظواهر.
في الواقع هذه النظرية تساعدنا (بشكل تقريبي) على التنبوء بحركات الكواكب المتحيرة، وتوضح بشكل بارز خصائص هذا الاتجاه، إذ لا توجد فيه أدنى إشارة إلى آلية تسبب حركة تلك الأجرام أو الكرات، فهي كرات رياضية تمثل أجساما سماوية.
والنظام كله تمثيل كينماتي (أي يصف الحركة فقط) للتحركات الفعلية للأجسام السماوية، ويكون بالنسبة للأفلاطوني الحق هيئة مثالية وعلى الرغم من أن بطلميوس كان أفلاطونيا بالقدر الذي يكفي لأن يعتبر أن مهمة الفلكي هي استنباط النظم الرياضية للحركة دون الحاجة لشرح كيفية تحقيق ذلك في الطبيعة إلا أنه أنكر استنادا إلى أسس مستوحاة من طبيعيات أرسطو فكرة اعتبار الأرض متحركة لكي يتحقق إنقاذ الظواهر. وفي كل الأحوال يصنف بطلميوس كواحد من أبرز أعلام الفلك الرياضي.
أما الاتجاه الثاني- الفيزيائي الطبيعي- الكوزمولوجي: فقد تزعمه أرسطو، وهو يقوم على إعطاء التمثيل الرياضي معنى فيزيائيا (طبيعيا)، ولا يعترف بشيء خارج الواقع المحسوس، فهو تجريبي للغاية.
إنه يبحث في العلل والأسباب الكامنة وراء وجود الموجودات وماهية الموجودات. و لا يقبل فكرة الحقيقة اللازمة عن فروض كثيرة مختلفة فالحقيقة الواقعية يحكيها رأي واحد أو فرض واحد يعبر ويدل عليها ولا يكفي أن تخبرنا التجربة بصحة تنبؤها، وإنما يجب أن نتوصل فيها إلى صحة الفروض الموضوعة واللازمة لها لتكون الحقيقة واقعية.
علم الفلك بهذا الشكل لن يكون إلا طبيعيا أو تجريبيا، وهذا ما أراده ابن رشد لمعنى الفلك ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن علم الفلك مبحث طبيعي، وهو من شأن الفلاسفة كما ذكرنا فعلم الفلك ليس علما بذاته وإنما بكونه علما طبيعيا يصبح مبحثا نظريا تكون فيه المعرفة في أعلى مستوياتها، مبرهنة بالبرهان الطبيعي أما المعرفة بالأمور الجزئية فهي لا تعبر عن الحقيقة ولا تحيط بالماهية والجواهر، فمثلا تحديد الحركات التي تجري فعلا في الكون يحدده الفلاسفة ميثافيزيقيا وهي عندهم أي الميثافيزيقيا صادقة أبدا فعلم الفلك التعاليمي (كفلك بحت) غير قادر على التعبير عما يجري في الواقع حقيقة وللرياضيين أن يخترعوا ما شاؤوا من الهيئات إذا كانت تخدم الأغراض العملية وتعود بالنفع عليهم.
في هذا الاتجاه كان ابن رشد يسير في بناء مشروعه الفلكي وأعترف أني إنما قصدت من عرض هذا الاتجاه بصيغته التي عرضت لأني قد ضمنته معظم ملامح المشروع الرشدي وفلسفته بشكل عام، في طلب الحقيقة والبرهان عليها، وموقفه من فلك زمانه برفضه الاتجاه الرياضي جملة وتفصيلا دون أن يلغيه إذ أباح للرياضيين أن يشتغلوا في هيئاتهم ما شاؤوا، طالما في ذلك منفعة للناس، إذ ثبت له أن في نتائجهم ما يمكن الأخذ به لأغراض علمية."
مما سبق نجد أن العلم الفلكى ليس علما وإنما مجموعات افتراضات رياضية أو فلسفية والغريب أن الكل نسى الفلك الواقعى ممثلا فى المراصد المختلفة وكذلك خبرات البدو والرحالة التى كانت ترصد حركة النجوم والشمس والقمر وهذا الفلك الواقعى هو ما أفاد البشرية فى التحرك فى اليابس والماء تطبيقا لقوله تعالى :
" وعلامات وبالنجم هم يعتدون"
وقوله:
"وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر "
والمسائل التى اهتم بها علم الفلك لم يهتم بها عامة البشر وإنما الاهتمام كان منصبا على معرفة البلاد والاتجاهات عن طريق النجوم حلال السفر وأحيانا معرفة أوائل الشهور القمرية ومواعيد الحج وسداد الديون بينما انصب اهتم الفلكيين على أمور لا تعنى البشر فى شىء لأنها لا تؤثر على حياتهم اليومية كشكل الكون ودوران الشمس والأرض وغير هذا
وقام لؤى بلال بذكر أراء ابن رشد فى كتبه فقال:
"والآن ما هي المقولات العلمية التي تبناها ابن رشد في كتابه (تلخيص السماء والعالم) (بصيغة الثلاثة أي الجوامع والتلاخيص والشروح).؟
أو بالأصح ما هي الكوزمولوجيا الأرسطية -الرشدية التي أرادها في كتابه المذكور؟
يرى أرسطو وابن رشد: أن العالم واحد لا أكثر، وهو بتمامه محسوس داخل السماء، وليس وراء السماء لا خلاء ولا ملاء، فالعالم متناه، غير كائن ولا فاسد، ليس فيه خلاء، وفي مركزه ترقد الأرض، فهي ثابتة وكرية.
أما الأجرام السماوية فهي كرية أيضا، لا تدور حول نفسها، ولا تتحرك بنفسها، وإنما تحتاج إلى محرك، وكل منها مثبت في خط استواء كرة خاصة به.
طبيعة هذه الأجرام من مادة أثيرية أزلية، وهي (مادة خامسة غير العناصر الأربعة) أحركتها الطبيعية حركة دائرية منتظمة ومستمرة، وتستمد حركتها من محرك خاص بها وفي سلسلة الحركات نصل إلى محرك أول لا يتحرك وهو موجود في محيط العالم وهو أزلي لأن الحركة الصادرة عنه أزلية وهو جوهر وفعل محض لا مادة فيه فهو علة الحركات الدائرية التي تسعى إليه كسعي العشاق لمعشوقته (تماما كسعي ابن رشد لأرسطو) ولكن المتحرك الأول يحرك السماء الأولى فقط (أي كرة النجوم الثابتة) أما بقية الأفلاك فإن لكل واحد منها محركا خاصا يحركها يدعى عقلا مفارقا أما عالم ما تحت القمر وهو الأرض فهو عالم الكون والفساد، ويتكون من أربعة عناصر (أسطقسات) هي (الماء والهواء والنار والتراب) وهذه العناصر متضادة، تختلف كيفياتها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ولكل عنصر منها مكان طبيعي، وحركة طبيعية مستقيمة، إن لم يعقها عائق أما حجم الأرض فهي صغيرة الحجم قياسا إلى حجم النجوم.
كان هذا تلخيصي على تلخيص ابن رشد، قصدت فيه استنباط الأقوال العلمية دون جدال، تماما كما فعل ابن رشد في الجوامع (أي كتاب السماء والعالم لأرسطو) في جوامع"
ما قاله ابن رشد عدل جملتين أو ثلاثة فى أول الكلام هو كلام مأخوذ من الوحى الإلهى مباشرة والباقى كلام شاهد لم يشاهد شىء وهو كلام مجانين بالأحرى لأن يصدق نظرية المحركات والدوران غير حقيقة الخلق الإلهى نظرية لم يشاهدها أحد
وبين بلال أن العرب اختلفوا كما اختلف اليونان فقال:
"وهنا أود أن أشير إلى أن التزام ابن رشد بما عرضت من الأفكار الأرسطية بصيغتها الكوزمولوجية المعبرة عن رأي ابن رشد واقتناعه بها، لم يكن تقليدا علميا ولا فلسفيا، إذ طالما اختلف الفلكيون العرب المسلمون في اتجاهاتهم الفلكية بين الآخذ بالاتجاه الرياضي كالفرغاني مثلا، والآخذ بالكوزمولوجية الأرسطية مع أن رياضيا كالحسن بن الهيثم أشهر منتقدي بطلميوس، أو ثابت بن قرة الحراني مثلا، الواضع لنفسه كوزمولوجيا خاصة به ولم ير ضرورة أن يكون أرسطيا، فحاز على نعمة التفكير المستقل والأصالة والإبداع في مشروعه الفلكي.
وكذا نجد البطروجي، وهو تلميذ ابن رشد، قد التزم الكوزمولوجيا الأرسطية، ولكنه أبدع في الفلك التعاليمي حيث قال عن بطلميوس: إن كل ما جاء لديه إنما هو بالتوهم وليس بالحقيقة وقارب البطروجي أن يضع هيئة بديلة عن هيئة بطلميوس، فظهر كأشهر منافس لبطلميوس في الغرب اللاتيني"
وتحدث بلال عما كان يريده ابن رشد من الفلكيين فقال:
"الآن كيف يريد ابن رشد للفلك أن يكون، بعدما فهمنا الكثير عنه مما عرضناه؟ - كان يريد من الفلكيين الرياضيين أن يتموا استدلالهم الناقص إذ يسمى عملهم بوضع الفرض الذي يوصل إلى نتيجة صادقة استدلالا (تحليليا)وهو يريد منهم أن يسيروا أيضا باستدلالهم تركيبيا، أي أن يكون انطلاقا من الواقع أو التنبؤ أوالظاهرة باتجاه الفرض فإن نجحوا فهذا حينها خير ما يمثل الحقيقة الفلكية الواقعية فالحقيقة الفلكية الصادقة (التجربة -المشاهدة) لا تقبل فروضا متعددة، بل ثمة فرض واحد أو نظرية واحدة هي التي تعكس لنا طبيعة ما يجري فعلا في الأجرام السماوية."
كما قلت سابقا من المحال إثبات علم الفلك من خلال التجارب والمشاهدات بالصعود للسماء وأما الرصد الأرضى لحركات النجوم فهو الحقيقية الوحيدة فى الفللك لمعرفة الاتجاهات والبلاد الأرضية وهى التى سمح الله بها
وبين بلال أن ابن رشد أراد تطبيق النص الأرسطى فقط دون تفكير فى أى شىء أخر ظنا منه أنه يأتى بالحقيقة مبتعدا عن وحى الله وفى هذا قال بلال:
"أما ما الذي يجعل ابن رشد يعتقد أن المقدمات الأولية التي وردت في كوزمولوجيا أرسطو صادقة سأجيب هنا على الشكل التالي:
إن الحقيقة الفلكية تحتاج مقدمات، وقد طلبها ابن رشد في الفلك الطبيعي الأرسطي، أو في الكوزمولوجيا الأرسطية، والتي هي جزء من الفلسفة الأرسطية ككل، علما بأن الفلسفة الأرسطية بمجملها عند ابن رشد تمثل الحقيقة في كل صورها.
وكأن ابن رشد أراد أن يغلق الباب أمام أية تصورات قد يأتي بها أصحاب التعاليم أو غيرهم لتمثيل الحقيقة الفلكية، إلا أنه يبيح لهم العمل، من جهة ما، لأن علم الفلك صناعة فيها خدمة للناس، كما ذكرنا في المقدمة. فالصناعة في رأيه هي أقل مرتبة في مستوى تحصيلها المعرفي، وهي بلا شك أدنى من النظري.
لقد أراد ابن رشد في الواقع في مشروعه الفلكي ليس تصوره من خارج، وإنما استنباطه من خبايا النص الفلكي الأرسطي، والفلسفة الأرسطية بشكل عام وهكذا تكون مهمة الفلكي الحق تبرير وتأويل أقاويل أرسطو، باعتبارها ممثلة للحقيقة الصادقة أبدا، دون المساس ببنيانها.
(ما أشبه موقفه هنا بموقفه من الشرع) كما فهمناه في فصل المقال.
أما العقل فهو من أجل البحث والفحص عند التأويل الأمثل للنص الفلكي الأرسطي ولدحض أقاويل المعارضين من القدماء"
وانتهى بلال إلى أن الرجل ليس له مشروع فلكى مميز ولا ليست له اسهامات لها شأن فى هذا العلم لأنه كان مقلدا لأرسطو إلا فى أشياء نادرة وهو قوله:
"والنتيجة: لا يمكن أن ندعي أن لابن رشد مشروعا فلكيا سعى إليه إلا ضمن مفهومه لعلم الفلك ووظيفته ومعاني وجوده وقد عرضناها جملة، وبها فقط يستحق أن يكون له مشروع فلكي، إذا لم نفصل بينه كعالم نجوم وبين فلسفته كفيلسوف ولكن إذا فصلنا فلا أدعي أن بإمكاني أن أجد قولا أو رأيا فلكيا يظهر مكانة علمية بارزة لابن رشد إلا أني قد وجدت إشارات توضح أنه قد اشتغل بالرصد فقد ذكر ذلك قائلا إنه في عام 548هـ عاين نجما من على جبل يدعى جبل سهيل وثمة إشارة أخرى إلى أنه شاهد كوكب عطارد وهو يكسف الشمس.
لابن رشد تشكك جميل على أرسطو في قضية تسخين الهواء بحركة الكواكب، وله رأي في البصر عموما، وهي كما نرى آراء يصعب علينا أن ندعي أن بإمكانها إعطاء مكانة لابن رشد في علم الفلك تحديدا أو علوم التعاليم عامة.
بقي السؤال عن أصالة مشروع ابن رشد. وأقول مشروعه كما تصوره هو، وفي الحقيقة لا ندعي أنه كان رشديا خالصا بل إن رائحة أرسطو تفوح منه، خاصة في منهجه في تطبيق البرهان.
وأخيرا أقول: إن قولي في حق ابن رشد لا يقلل من شأنه، فمكانته العلمية والفلسفية قد حفظها التاريخ له وتأثيره في الغرب ربما فاق تأثيره بين أهله وإخوانه في المشرق والمغرب.
وإلى اليوم قد نشعر بالحاجة إلى ابن رشد، لأننا بحاجة إلى الفلسفة في كل جوانب حياتنا، لأنها عقل وتفكير وحرية في التعبير"
بالقطع لسنا بحاجة لابن رشد ولا لغيره فنحن بحاجة لوحى الله فقط عندما يتعلق الأمر بأمور لا يمكن دراستها بالمشاهدة أو بالتجربة
مؤلف الكتاب أو البحث لؤي بلال من أهل العصر وهو يدور حول آراء ابن رشد فى علم الهيئة المسمى علم الفلك ويتساءل بلال فى أول البحث فيقول:
"اسمحوا لي أن أبدأ بطرح سؤال أنيق الشكل:
هل كان ثمة مشروع فلكي سعى إليه ابن رشد خاص به، أم إن آراءه وأفكاره في الفلك كانت تحصيل حاصل لفلسفته عموما، ولتحصيله للعلم الطبيعي على الخصوص؟ أي إن ابن رشد تفلسف في الفلك (وهذا ما أعتقد أنا)، أو بمعنى آخر لو أعدنا طرح السؤال الأول بشكل آخر: هل كان ابن رشد يشعر (بوعي كامل) بضرورة وجود نظام فلكي يضع حدا للأقاويل والآراء المختلفة بشأن هيئة السماء (وكانت بالطبع هيئة بطلميوس) المتداولة بين الناس وبين الفلكيين أيضا، بحيث يكون ذاك النظام المقترح بديلا عنها جميعها خاصة وأن ابن رشد شهد وخبر الكثير من المحاولات الجارية لإصلاح هيئة بطلميوس، المتضمنة في كتابه الشهير المجسطي؟.
فهل كان يطلب الحقيقة الفلكية خدمة لعلم الفلك، تماما كأي باحث يهذا العلم، وإن بحثه يهدف بالنتيجة إلى تطويره، وفي النهاية إلى علم الهيئة الصحيح؟ "
وبعد أن طرح بلال أسئلته عن ابن رشد وعلم الفلك أجاب قائلا:
"في الحقيقة كان الفلك بالنسبة إليه مبحثا طبيعيا يدخل ضمن منظومة فلسفية أرسطية، وعاها ابن رشد جيدا وفهم منطقها وأنواع براهينها ومستويات المعرفة فيها وهي منظومة متكاملة أدلت بدلوها في الوجود بما هو موجود بالفعل. وما يمكن تصوره"
الإجابة إذا أن اهتمام ابن رشد بالفلك كان جزء من ضمن الكل وهو فلسفة ابن رشد وحاول بلال أن يفصل إجابته من خلال تتبع أراء الرجل فى كتبه الفلسفية والطبية فقال:
"إن هذه التساؤلات وجهت منهج البحث عندي، وجعلت مهمتي تتبع آراء ابن رشد الفلكية في مؤلفاته الأصلية الفلسفية كفصل المقال وتهافت التهافت، ومؤلفاته الفلكية، مؤلفاته الطبية أيضا لأننا مثلا نراه، في شرحه على أرجوزة ابن سينا في الطب، يبدي رأيه في معارضة التنجيم، وحركة الأفلاك، والكثير من آرائه في الآثار العلوية، سنراها حيث يعرض في الكليات رأيه في الجسم الطبيعي والإسطقسات أي العناصر الأربعة وهكذا.
ومع ذلك قصدنا، كهدف أول، إلى شروح ابن رشد، على كتاب أرسطو في السماء والعالم. وهي موجودة في كتاب (تلخيص السماء والعالم لابن رشد) (وهو من مطبوعات كلية الآداب والفلسفة في مراكش في المغرب):
وبين بلال أنه اراد بالبحث أمرين 1-استخراج المقولات العلمية التي اعتقد ابن رشد بصوابها في الكتاب، 2-فهم تأويلات ابن رشد للنص الأرسطي وفى هذا قال:
"وكنا نريد أمرين اثنين الأول: استخراج المقولات العلمية التي اعتقد ابن رشد بصوابها في الكتاب، ونكون بذلك وقفنا على مكانة ابن رشد في علم الفلك النظري، أو كما كان يشاء أن يسميه بعلم النجوم التعاليمي. وكواحد من أصحاب التعاليم، (وبالطبع هو لا يقبل هذه التسمية منا إذ لطالما وضع ابن رشد حدا فاصلا بين العالم الفلكي التعليمي أو التعاليمي، وبين عالم الفلك الطبيعي، الذي كان على الأغلب فيلسوفا والفرق بينهما كما قال ابن رشد في شرحه المطول على كتاب السماء والعالم:
"تشارك الطبيعي والمنجم في النظر في هذه المسائل (ويقصد المسائل الفلكية) ولكن المنجم في الأغلب يشرح الكيفية، أما الطبيعي فيشرح الصلة، وما يعطيه المنجم (الفلكي التعاليمي) إنما هو ما يظهر للحس من ترتيب الأفلاك، وكيفية حركاتها وعددها، ووضعها إلى بعضها البعض، فيعرف مثلا ترتيبها من كسف بعضها لبعض.
أما الطبيعي فيشتغل بتعليل ذلك .. فلا يبعد أن المنجم يأتي في الأغلب بعلة غير العلة الطبيعية فالمنجم يعتبر العلل المجردة عن المادة، والطبيعي يعتبر العلل الكائنة مع المادة ".
ومن ذلك نرى اعتقاد ابن رشد أن البحث عن حقيقة الحركات وعللها يكون على المشتغلين بالحكمة الطبيعية والإلهية أي الفلاسفة وهذا ما قاده كما سنرى إلى نوعين من البراهين لإثبات الحقيقة الفلكية بشكل خاص والحقيقة المطلوبة في أي حقل معرفي بشكل عام.
الأمر الثاني: هو أن نفهم تأويلات ابن رشد للنص الأرسطي، في المراجعة التي يتدخل فيها ابن رشد على النص الأرسطي، ممعنا في الشرح، ومؤازرا معلمه أرسطو، فهو ممثل الحقيقة لديه أرسطو.
وقد وجدنا من المفيد، لفهم ابن رشد أن نتقمص روحه ومنهجه، إذا شئنا استخراج المقولات العلمية الرشدية من كتابه تلخيص السماء والعالم. وهذه الطريقة تفيدنا أيضا في فهم محاولة ابن رشد لبناء مشروع فلكي، وأعني بها على سبيل الفرض لا النتيجة وستكشف لنا مكانة ابن رشد العلمية في علم الفلك كما نفهمه اليوم نحن، دون محاباة أو انتقاص شأن وعلى هذا، والتزاما منا بما تقرر من اتباع المنهج الرشدي في دراسته، لاسيما وأنه كان لا يقبل الخوض في أي مبحث أو علم إلا بافتراض المقدمات الأولية اللازمة لذلك المبحث أو العلم والتسليم بصدقها مع شرط أن تكون المقدمات من جنس الموضوع أو العلم المفحوص، بحيث تكون المقدمات طبيعية، إذا كان البحث المطلوب في العلم الطبيعي، وتعاليميه إذا كان في العلوم التعاليمية (وهي الحساب والفلك ... الخ) أما البراهين فتنتمي أيضا إلى جنس الموضوع المفحوص ذاته فالبرهان الطبيعي إذا كان المطلب طبيعيا ومقصودا في العلم الطبيعي، والبرهان التعليمي إذا كان المطلب تعليميا ومقصودا في العلم التعاليمي.
أما الأنواع الأخرى من البراهين الرشدية فمنها البرهان الخطبي، وهو أقل مرتبة من النوعين المذكورين أما القياس اليقيني فقد استخدمه ابن رشد بين النوعين الأولين، حينما كان المطلب عسيرا على الفحص لقلة المقدمات، وقد لجأ إليه أكثر من مرة في تلخيصه لكتاب السماء والعالم. وتجدر الإشارة هنا إلى نوع آخر من القياس يدعوه بالظني، أباح استخدامه في تأويل الشرع لغاية عملية
لقد احتجنا (كابن رشد) إلى مقدمات أولية (لا نفرضها دوغمائيا بل نستقرؤها) لتلمس المشروع الفلكي الرشدي من خلال معرفة واقع علم الفلك أيام ابن رشد هذا أولا ومقولاته في أنواعه وتصنيفاته الفلكية وغير الفلكية ثانيا، وموقفه من علم الفلك في زمانه ثالثا.
أما الهدف من هذه المقدمات فقد كان دائما طلب الحقيقة التي هي بالنسبة إلينا في هذا البحث الإجابة عن السؤال الذي طرحناه منذ البداية.
والإفاضة في معرفة مدى أصالته (أقصد مشروع ابن رشد) وما كان تأثيره في التطور الذي لحق بعلم الفلك فيما بعد. وما هي دلالاته لفهم النظرية الطبيعية في الفيزياء الحديثة والعلوم الطبيعية إلى أيام نيوتن وماكسويل.
سنحتاج هنا إلى مقدمة وجيزة لتاريخ النظريات الفلكية اليونانية، التي كانت ماثلة بلا شك لابن رشد، سواء باطلاعه عليها بشكل مباشر في كتب أصحابها، أو عن طريق تعامله معها أثناء شروحه على كتاب السماء والعالم. إذ كان أرسطو قد ضمنها جميع أقوال القدماء تقريبا، بما فيها من اختلاف واتفاق فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبينه (أعني أرسطو) من جهة أخرى"
ما قاله لؤى بلال هو لا علاقة به بالعلم الحقيقى فمدار البحث هو علم الفلسفة وبراهينه وهى مجرد أقوال دون مشاهدة لأن المشاهدة اساسا محالة وهى خروج الإنسان من الأرض ورؤيته للسموات وقد بين الله أن الناس يقدرون على الصعود للسماء أو النزول للأرض ولكن مصيرهم هو الهلاك وفى هذا قال تعالى:
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان مبين فبأى آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران"
وبين الله أن المحال لو حدث وهو الصعود للسموات والدخول فيها سيكون رد فعل الصاعد أنه سيقول أنه مسحور وفى هذا قال تعالى :
"ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون:
إذا فى كل الأحوال علك الفلك أو الهيئة لا يمكن أن يكون عن مشاهدة حقيقية ولا عن طريق الكلام وهو الفلسفة لأنه كلام من لم يرى ومن ثم لا يتبقى سوى كلام الخالق لأنه اعلم بمن خلق كما قال تعالى :
" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
إذا الحقيقة فى علم الفلك لا يمكن أن تستقى إلا من طريق واحد وهو كلام الخالق الذى خلق ورأى ما خلق ومن ثم فما سيذكره بلال من بقية البحث يجب أن يعى القارىء أنه حديث شاهد لم يشاهد شىء
قال بلال مستعرضا تاريخ الفلك اليوانى:
"إذا استعرضنا تاريخ الفلك اليوناني، منذ القرن الرابع ق. م وحتى كوبرنيكوس (في القرن السادس عشر للميلاد) فإننا سنقف على اتجاهين رئيسين:
الأول: اتجاه رياضي والثاني: اتجاه طبيعي (فيزيائي) أو كوسمولوجي.
الأول: بدأ مع فيثاغورس وتزعمه أفلاطون، وأطلق دعوته الشهيرة والتي عرفت فيما بعد بالمشكلة الأفلاطونية، وهي (إنقاذ الظواهر) وقد وصل هذا الاتجاه لذروته مع بطلميوس، الذي بقي تأثيره إلى أيام كوبر نيكوس. وتتلخص مقولة هذا الاتجاه بتمثيل الكون تمثيلا رياضيا، وذلك بوضع فروض وصيغ رياضية وهندسية تؤدي إلى الفهم والتنبؤ بالأحداث الظاهرة في الكون، كالخسوف والحركات الكثيرة للكواكب المتحيرة وقد فرض هذا الاتجاه هيئة للسماء رياضية بحتة، ولم يعترف بواقعية الوجود المحسوس إلا من جهة هو وجود ناقص.
والخلاصة، كان إنقاذ الظواهر هو هدف البحث في هذا الاتجاه الرياضي. وبالطبع تمكن هذا الاتجاه من رصد كثير من الحركات السماوية، والتنبوء بالمشاهدات الفلكية، وتحقيق الغرض العملي والنفعي من معارف علم الفلك، كالتقاويم والكسوف والأوقات وغيرها ...
إن هذا الاتجاه يقول بإمكانية التعبير عن الحقيقة (النتيجة) أو الوصول إليها انطلاقا من فرضيات كثيرة مختلفة ولا يبحث هذا الاتجاه بالعلل أو الأسباب ولا بالماهية، فالموجودات من الأجرام السماوية هي جميعها نقاط رياضية.
ووظيفة الفلكي الرياضي أن يبين أن ما يظهر من عدم انتظام في حركات السيارات أو الكواكب المتحيرة الخمسة إنما يمكن تفسيره بأنه آت نتيجة حركات دائرية ومنتظمة تكون في اتجاه واحد لا يتغير هذا ما كان المقصود بإنقاذ الظواهر.
في الواقع هذه النظرية تساعدنا (بشكل تقريبي) على التنبوء بحركات الكواكب المتحيرة، وتوضح بشكل بارز خصائص هذا الاتجاه، إذ لا توجد فيه أدنى إشارة إلى آلية تسبب حركة تلك الأجرام أو الكرات، فهي كرات رياضية تمثل أجساما سماوية.
والنظام كله تمثيل كينماتي (أي يصف الحركة فقط) للتحركات الفعلية للأجسام السماوية، ويكون بالنسبة للأفلاطوني الحق هيئة مثالية وعلى الرغم من أن بطلميوس كان أفلاطونيا بالقدر الذي يكفي لأن يعتبر أن مهمة الفلكي هي استنباط النظم الرياضية للحركة دون الحاجة لشرح كيفية تحقيق ذلك في الطبيعة إلا أنه أنكر استنادا إلى أسس مستوحاة من طبيعيات أرسطو فكرة اعتبار الأرض متحركة لكي يتحقق إنقاذ الظواهر. وفي كل الأحوال يصنف بطلميوس كواحد من أبرز أعلام الفلك الرياضي.
أما الاتجاه الثاني- الفيزيائي الطبيعي- الكوزمولوجي: فقد تزعمه أرسطو، وهو يقوم على إعطاء التمثيل الرياضي معنى فيزيائيا (طبيعيا)، ولا يعترف بشيء خارج الواقع المحسوس، فهو تجريبي للغاية.
إنه يبحث في العلل والأسباب الكامنة وراء وجود الموجودات وماهية الموجودات. و لا يقبل فكرة الحقيقة اللازمة عن فروض كثيرة مختلفة فالحقيقة الواقعية يحكيها رأي واحد أو فرض واحد يعبر ويدل عليها ولا يكفي أن تخبرنا التجربة بصحة تنبؤها، وإنما يجب أن نتوصل فيها إلى صحة الفروض الموضوعة واللازمة لها لتكون الحقيقة واقعية.
علم الفلك بهذا الشكل لن يكون إلا طبيعيا أو تجريبيا، وهذا ما أراده ابن رشد لمعنى الفلك ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن علم الفلك مبحث طبيعي، وهو من شأن الفلاسفة كما ذكرنا فعلم الفلك ليس علما بذاته وإنما بكونه علما طبيعيا يصبح مبحثا نظريا تكون فيه المعرفة في أعلى مستوياتها، مبرهنة بالبرهان الطبيعي أما المعرفة بالأمور الجزئية فهي لا تعبر عن الحقيقة ولا تحيط بالماهية والجواهر، فمثلا تحديد الحركات التي تجري فعلا في الكون يحدده الفلاسفة ميثافيزيقيا وهي عندهم أي الميثافيزيقيا صادقة أبدا فعلم الفلك التعاليمي (كفلك بحت) غير قادر على التعبير عما يجري في الواقع حقيقة وللرياضيين أن يخترعوا ما شاؤوا من الهيئات إذا كانت تخدم الأغراض العملية وتعود بالنفع عليهم.
في هذا الاتجاه كان ابن رشد يسير في بناء مشروعه الفلكي وأعترف أني إنما قصدت من عرض هذا الاتجاه بصيغته التي عرضت لأني قد ضمنته معظم ملامح المشروع الرشدي وفلسفته بشكل عام، في طلب الحقيقة والبرهان عليها، وموقفه من فلك زمانه برفضه الاتجاه الرياضي جملة وتفصيلا دون أن يلغيه إذ أباح للرياضيين أن يشتغلوا في هيئاتهم ما شاؤوا، طالما في ذلك منفعة للناس، إذ ثبت له أن في نتائجهم ما يمكن الأخذ به لأغراض علمية."
مما سبق نجد أن العلم الفلكى ليس علما وإنما مجموعات افتراضات رياضية أو فلسفية والغريب أن الكل نسى الفلك الواقعى ممثلا فى المراصد المختلفة وكذلك خبرات البدو والرحالة التى كانت ترصد حركة النجوم والشمس والقمر وهذا الفلك الواقعى هو ما أفاد البشرية فى التحرك فى اليابس والماء تطبيقا لقوله تعالى :
" وعلامات وبالنجم هم يعتدون"
وقوله:
"وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر "
والمسائل التى اهتم بها علم الفلك لم يهتم بها عامة البشر وإنما الاهتمام كان منصبا على معرفة البلاد والاتجاهات عن طريق النجوم حلال السفر وأحيانا معرفة أوائل الشهور القمرية ومواعيد الحج وسداد الديون بينما انصب اهتم الفلكيين على أمور لا تعنى البشر فى شىء لأنها لا تؤثر على حياتهم اليومية كشكل الكون ودوران الشمس والأرض وغير هذا
وقام لؤى بلال بذكر أراء ابن رشد فى كتبه فقال:
"والآن ما هي المقولات العلمية التي تبناها ابن رشد في كتابه (تلخيص السماء والعالم) (بصيغة الثلاثة أي الجوامع والتلاخيص والشروح).؟
أو بالأصح ما هي الكوزمولوجيا الأرسطية -الرشدية التي أرادها في كتابه المذكور؟
يرى أرسطو وابن رشد: أن العالم واحد لا أكثر، وهو بتمامه محسوس داخل السماء، وليس وراء السماء لا خلاء ولا ملاء، فالعالم متناه، غير كائن ولا فاسد، ليس فيه خلاء، وفي مركزه ترقد الأرض، فهي ثابتة وكرية.
أما الأجرام السماوية فهي كرية أيضا، لا تدور حول نفسها، ولا تتحرك بنفسها، وإنما تحتاج إلى محرك، وكل منها مثبت في خط استواء كرة خاصة به.
طبيعة هذه الأجرام من مادة أثيرية أزلية، وهي (مادة خامسة غير العناصر الأربعة) أحركتها الطبيعية حركة دائرية منتظمة ومستمرة، وتستمد حركتها من محرك خاص بها وفي سلسلة الحركات نصل إلى محرك أول لا يتحرك وهو موجود في محيط العالم وهو أزلي لأن الحركة الصادرة عنه أزلية وهو جوهر وفعل محض لا مادة فيه فهو علة الحركات الدائرية التي تسعى إليه كسعي العشاق لمعشوقته (تماما كسعي ابن رشد لأرسطو) ولكن المتحرك الأول يحرك السماء الأولى فقط (أي كرة النجوم الثابتة) أما بقية الأفلاك فإن لكل واحد منها محركا خاصا يحركها يدعى عقلا مفارقا أما عالم ما تحت القمر وهو الأرض فهو عالم الكون والفساد، ويتكون من أربعة عناصر (أسطقسات) هي (الماء والهواء والنار والتراب) وهذه العناصر متضادة، تختلف كيفياتها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ولكل عنصر منها مكان طبيعي، وحركة طبيعية مستقيمة، إن لم يعقها عائق أما حجم الأرض فهي صغيرة الحجم قياسا إلى حجم النجوم.
كان هذا تلخيصي على تلخيص ابن رشد، قصدت فيه استنباط الأقوال العلمية دون جدال، تماما كما فعل ابن رشد في الجوامع (أي كتاب السماء والعالم لأرسطو) في جوامع"
ما قاله ابن رشد عدل جملتين أو ثلاثة فى أول الكلام هو كلام مأخوذ من الوحى الإلهى مباشرة والباقى كلام شاهد لم يشاهد شىء وهو كلام مجانين بالأحرى لأن يصدق نظرية المحركات والدوران غير حقيقة الخلق الإلهى نظرية لم يشاهدها أحد
وبين بلال أن العرب اختلفوا كما اختلف اليونان فقال:
"وهنا أود أن أشير إلى أن التزام ابن رشد بما عرضت من الأفكار الأرسطية بصيغتها الكوزمولوجية المعبرة عن رأي ابن رشد واقتناعه بها، لم يكن تقليدا علميا ولا فلسفيا، إذ طالما اختلف الفلكيون العرب المسلمون في اتجاهاتهم الفلكية بين الآخذ بالاتجاه الرياضي كالفرغاني مثلا، والآخذ بالكوزمولوجية الأرسطية مع أن رياضيا كالحسن بن الهيثم أشهر منتقدي بطلميوس، أو ثابت بن قرة الحراني مثلا، الواضع لنفسه كوزمولوجيا خاصة به ولم ير ضرورة أن يكون أرسطيا، فحاز على نعمة التفكير المستقل والأصالة والإبداع في مشروعه الفلكي.
وكذا نجد البطروجي، وهو تلميذ ابن رشد، قد التزم الكوزمولوجيا الأرسطية، ولكنه أبدع في الفلك التعاليمي حيث قال عن بطلميوس: إن كل ما جاء لديه إنما هو بالتوهم وليس بالحقيقة وقارب البطروجي أن يضع هيئة بديلة عن هيئة بطلميوس، فظهر كأشهر منافس لبطلميوس في الغرب اللاتيني"
وتحدث بلال عما كان يريده ابن رشد من الفلكيين فقال:
"الآن كيف يريد ابن رشد للفلك أن يكون، بعدما فهمنا الكثير عنه مما عرضناه؟ - كان يريد من الفلكيين الرياضيين أن يتموا استدلالهم الناقص إذ يسمى عملهم بوضع الفرض الذي يوصل إلى نتيجة صادقة استدلالا (تحليليا)وهو يريد منهم أن يسيروا أيضا باستدلالهم تركيبيا، أي أن يكون انطلاقا من الواقع أو التنبؤ أوالظاهرة باتجاه الفرض فإن نجحوا فهذا حينها خير ما يمثل الحقيقة الفلكية الواقعية فالحقيقة الفلكية الصادقة (التجربة -المشاهدة) لا تقبل فروضا متعددة، بل ثمة فرض واحد أو نظرية واحدة هي التي تعكس لنا طبيعة ما يجري فعلا في الأجرام السماوية."
كما قلت سابقا من المحال إثبات علم الفلك من خلال التجارب والمشاهدات بالصعود للسماء وأما الرصد الأرضى لحركات النجوم فهو الحقيقية الوحيدة فى الفللك لمعرفة الاتجاهات والبلاد الأرضية وهى التى سمح الله بها
وبين بلال أن ابن رشد أراد تطبيق النص الأرسطى فقط دون تفكير فى أى شىء أخر ظنا منه أنه يأتى بالحقيقة مبتعدا عن وحى الله وفى هذا قال بلال:
"أما ما الذي يجعل ابن رشد يعتقد أن المقدمات الأولية التي وردت في كوزمولوجيا أرسطو صادقة سأجيب هنا على الشكل التالي:
إن الحقيقة الفلكية تحتاج مقدمات، وقد طلبها ابن رشد في الفلك الطبيعي الأرسطي، أو في الكوزمولوجيا الأرسطية، والتي هي جزء من الفلسفة الأرسطية ككل، علما بأن الفلسفة الأرسطية بمجملها عند ابن رشد تمثل الحقيقة في كل صورها.
وكأن ابن رشد أراد أن يغلق الباب أمام أية تصورات قد يأتي بها أصحاب التعاليم أو غيرهم لتمثيل الحقيقة الفلكية، إلا أنه يبيح لهم العمل، من جهة ما، لأن علم الفلك صناعة فيها خدمة للناس، كما ذكرنا في المقدمة. فالصناعة في رأيه هي أقل مرتبة في مستوى تحصيلها المعرفي، وهي بلا شك أدنى من النظري.
لقد أراد ابن رشد في الواقع في مشروعه الفلكي ليس تصوره من خارج، وإنما استنباطه من خبايا النص الفلكي الأرسطي، والفلسفة الأرسطية بشكل عام وهكذا تكون مهمة الفلكي الحق تبرير وتأويل أقاويل أرسطو، باعتبارها ممثلة للحقيقة الصادقة أبدا، دون المساس ببنيانها.
(ما أشبه موقفه هنا بموقفه من الشرع) كما فهمناه في فصل المقال.
أما العقل فهو من أجل البحث والفحص عند التأويل الأمثل للنص الفلكي الأرسطي ولدحض أقاويل المعارضين من القدماء"
وانتهى بلال إلى أن الرجل ليس له مشروع فلكى مميز ولا ليست له اسهامات لها شأن فى هذا العلم لأنه كان مقلدا لأرسطو إلا فى أشياء نادرة وهو قوله:
"والنتيجة: لا يمكن أن ندعي أن لابن رشد مشروعا فلكيا سعى إليه إلا ضمن مفهومه لعلم الفلك ووظيفته ومعاني وجوده وقد عرضناها جملة، وبها فقط يستحق أن يكون له مشروع فلكي، إذا لم نفصل بينه كعالم نجوم وبين فلسفته كفيلسوف ولكن إذا فصلنا فلا أدعي أن بإمكاني أن أجد قولا أو رأيا فلكيا يظهر مكانة علمية بارزة لابن رشد إلا أني قد وجدت إشارات توضح أنه قد اشتغل بالرصد فقد ذكر ذلك قائلا إنه في عام 548هـ عاين نجما من على جبل يدعى جبل سهيل وثمة إشارة أخرى إلى أنه شاهد كوكب عطارد وهو يكسف الشمس.
لابن رشد تشكك جميل على أرسطو في قضية تسخين الهواء بحركة الكواكب، وله رأي في البصر عموما، وهي كما نرى آراء يصعب علينا أن ندعي أن بإمكانها إعطاء مكانة لابن رشد في علم الفلك تحديدا أو علوم التعاليم عامة.
بقي السؤال عن أصالة مشروع ابن رشد. وأقول مشروعه كما تصوره هو، وفي الحقيقة لا ندعي أنه كان رشديا خالصا بل إن رائحة أرسطو تفوح منه، خاصة في منهجه في تطبيق البرهان.
وأخيرا أقول: إن قولي في حق ابن رشد لا يقلل من شأنه، فمكانته العلمية والفلسفية قد حفظها التاريخ له وتأثيره في الغرب ربما فاق تأثيره بين أهله وإخوانه في المشرق والمغرب.
وإلى اليوم قد نشعر بالحاجة إلى ابن رشد، لأننا بحاجة إلى الفلسفة في كل جوانب حياتنا، لأنها عقل وتفكير وحرية في التعبير"
بالقطع لسنا بحاجة لابن رشد ولا لغيره فنحن بحاجة لوحى الله فقط عندما يتعلق الأمر بأمور لا يمكن دراستها بالمشاهدة أو بالتجربة
رضا البطاوى- المساهمات : 1555
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
مواضيع مماثلة
» نظرات فى كتاب الفلك والمراصد الفلكية في مصر الفاطمية الإسلامية
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» الفلك فى القرآن
» قراءة في كتاب الاستهزاء
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» الفلك فى القرآن
» قراءة في كتاب الاستهزاء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى