قراءة فى كتاب كيف تكسب الناس
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب كيف تكسب الناس
قراءة فى كتاب كيف تكسب الناس
الكتاب تأليف مازن بن عبد الكريم الفريح وفى موضوعه قال :
أما بعد :
فإن كسب قلوب الناس ليكونوا بعد ذلك للدعوة محبين وإليها مقبلين ولجندها مناصرين من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن يوليها الدعاة عنايتهم واهتمامهم وأن يكون لها نصيب كبير من تفكيرهم وتخطيطهم
كل هذه الأمور وغيرها تجعل الحديث عن موضوع" كيف تكسب الناس" في غاية الأهمية وقد تناولنا الموضوع من خلال استعراض بعض الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية ثم أتبعناها بذكر بعض المنفرات التي تنفر الناس من الداعية وتمنع استجابتهم له "
قبل الكلام عن كسب قلوب الناس نقول أن الإنسان قد يفعل كل الأمور التى تجذب القلوب ومع هذا تكون النتيجة عدم كسب القلوب أى بتعبير العامة صفر وقد ضرب الله الأمثلة على ذلك بالؤسل(ص) فنوخ دعا قومع فى السر والعلن وفى الليل وفى النهار وكانت النتيجة الكفر به وفى هذا قال تعالى "قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعاءى إلا فرارا وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم فى أذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إنى دعوتهم جهارا ثم إنى أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا"
والنبى الأخير(ص) فعل كل ما بوسعه لجذب قلوب من يحبهم للإسلام ومع هذا لم يحدث الجذب ولذا قال تعالى ناصحا إياه ""إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين"
إذا كل ما على المسلم فعله هو فعل الأسباب كما طلب الله منه ولكن النتيجة ليست مضمونة بأى حال من الأحوال
الفريح كتب ما ظن أنه وسائل جذب القلوب فقال :
"الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية:
الوسيلة الأولى: خدمة الناس وقضاء حوائجهم
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ، والميل إلى من يسعى في قضاء حاجاتها ؛ ولذلك قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأولى الناس بالكسب هم أهلك وأقرباؤك ؛ ولذلك قال رسول الله (ص): « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي » وعندما سئلت عائشة ما كان رسول الله (ص): يفعل قالت « كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة » "
ومنا من لا يبالي بكسب قلوب أقرب الناس إليه كوالديه وزوجته وأقربائه فتجد قلوبهم مثخنة بالكره أو بالضغينة عليه لتقصيره في حقهم، وانشغاله عن أداء واجباته تجاههم ومن أصناف الناس الذين نحتاج لكسبهم ولهم الأفضلية على غيرهم الجيران لقوله (ص)« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره » وأي إكرام أكبر من دعوتهم إلى الهدى والتقى ؛ بل قال (ص) « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه » ولذلك ينبغي أن نتحبب إلى الجار فنبدأه بالسلام ونعوده في المرض ، ونعزيه في المصيبة ، ونهنئه في الفرح ونصفح عن زلته ، ولا نتطلع إلى عورته، ونستر ما انكشف منها ، ونهتم بالإهداء إليه وزيارته ، وصنع المعروف معه، وعدم إيذائه وقد نفى الرسول (ص) الإيمان الكامل عن الذي يؤذي جاره فقال: « والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قال قائل من هو يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه » والبوائق هي الشرور والأذى
ومن أصناف الناس الذين ينبغي أن نكسبهم إلى صف الدعوة- أخي الحبيب- من تقابلهم في العمل ممن هم بحاجة إليك فإذا كنت طبيبًا فالمرضى ، وإذا كنت مدرسًا فالطلاب ، وإذا كنت موظفًا فالمراجعون فلا بد من كسب قلوبهم من خلال تقديمك لأقصى ما تستطيعه من جهد في خدمتهم وإنجاز معاملاتهم وعدم تأخيرها وكم منا من يسمع من يدعو على موظف لم يكلف نفسه في تأدية ما عليه من واجبات في عمله ويؤخر معاملات الناس وعند الترمذي وأبي داود - بإسناد صحيح -عنه (ص) « من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة »
وبالجملة فإن الوظيفة مجال خصب لكسب قلوب الناس وتبليغهم دعوة الله وإنما خصصت هذه الأصناف الثلاثة من الناس بالذكر وهم الأهل أو الأقرباء والجيران ومن نلقاهم في وظائفنا لسببين هما: كثرة اللقاء بهم، والثاني كثرة التقصير أو الإهمال لحقوقهم مما له الأثر السلبي في تقبلهم لما ندعوهم إليه؛ إذن فالمسلم فضلا عن الداعية ينبغي أن يسع الناس كلهم بخلقه وتضحيته ولذلك وصفت خديجة الرسول(ص)فقالت : « إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق »
الكلام عن كون الإحسان يستعبد القلوب فى كل الأحوال ليس صحيحا فكم أحسن نوح(ص) لولده وزوجته ومع هذا كانت النتيجة كفرهما برسالته كل ما على المسلم هو أن يحسن إلى غيره كما أمر الله فى قوله" وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم"
وفى قوله "وقولوا للناس حسنا"
علينا إذا فعل الواجب وليس علينا انتظار النتيجة وهى اعجاب الناس أو حبهم لأن هناك من تفعل مع كل وسائل الإحسان ومع هذا لن يعجب بالإنسان ولن يحبه كما فعل النبى(ص) مع الأغنياء "وأما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى" فكانت النتيجة كما قال ""كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
ثم أخبرنا الفريح بثانى الوسائل وهى :
"الوسيلة الثانية: الحلم وكظم الغيظ:
يخطئ بعض الناس- أحيانًا - في حقك يوعد فيخلف أو يتأخر أو يجرحك بلسانه فلابد لكسبه من حلم وكظم للغيظ لأنك صاحب هدف وغاية تريد أن تصل إليها ؛ ولذا لا بد من حسن تصرفك والله -عز وجل- يمتدح هذا الصنف من الدعاة فيقول : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وعن أنس قال : « كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى أزالت الرداء إلى صفحة عاتق رسول (الله (ص)) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله (ص) وضحك ، وأمر له بعطاء » وهذا الموقف من سيد الخلق (ص) لا يحتاج منا إلى تعليق سوى أن نقول : ما قاله الحق عز وجل في وصف نبيه { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } "
الحلم وكظم الغيظ مطلوبان فى داخل دولة المسلمين ولكن عندما يتعلق الأمر بالعدوان على دولة المسلمين فلا حلم ولا كظم للغيظ تطبيقا لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" ومن ثم فما يشفى الغيظ هو قتال العدو المعتدى كما قال تعالى "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم"
وفى مجتمعاتنا الحالية التى لا تحكم بحكم الله يكون الحلم أحيانا نوع من الجنون لأن الخطأ يتكرر والعفو يتكرر فى دائرة لا تنتهى ومن ثم يجب أن يكون حد للحلم وكطم الغيظ لمنع تكرار الخطأ
ثم أحبرنا الفريح بالثالثة وهى سماحة المعاملة فقال:
"الوسيلة الثالثة: السماحة في المعاملة:
يوجز الرسول(ص)أصول المعاملة التي يدخل فيها المسلم إلى قلوب الناس ويكسب ودهم وحبهم فيقول : « رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى » وفي رواية « وإذا قضى » فالسماحة في البيع : ألا يكون البائع شحيحًا بسلعته ، مغاليًا في الربح ، فظًا في معاملة الناس
والسماحة في الشراء أن يكون المشتري سهلا مع البائع فلا يكثر من المساومة ؛ بل يكون كريم النفس وبالأخص إذا كان المشتري غنيا والبائع فقيرًا معدمًا والسماحة في الاقتضاء : أي عند طلب الرجل حقه أو دينه فإنه يطلبه برفق ولين وربما تجاوز عن المعسر أو أنظره كما في حديث أبي هريرة مرفوعا : « كان رجل يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه » والسماحة في القضاء : هو الوفاء بكل ما عليه من دين أو حقوق على أحسن وجه في الوقت الموعود وانظر كيف دخل الرسول (ص)إلى قلب هذا الرجل الذي روى قصته الإمام البخاري في صحيحه عن أبى هريرة قال: « أن رجلًا أتى النبي (ص)فتقاضاه فأغلظ فهمّ به أصحابه فقال النبي (ص)دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا ثم قال أعطوه سنًا مثل سنه قالوا يا رسول الله لا نجد إلا أفضل من سنه فقال أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء » فقال الرجل « أوفيتني أوفى الله بك »
ومن السماحة في المعاملة : عدم التشديد في محاسبة من قصر في حقك فعن أنس قال « خدمت رسول الله (ص)عشر سنين والله ما قال لي : أف قط ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا »"
السماحة مطلوبة ولكن تكرارها مع أفراد محددين يصبح ضرب من الخبل لأنه يصبح تشجيع على الجريمة فمثلا المستدين الذى يكرر طلب الاستدانة مرات كثيرة يصبح سارق وليس مستدين طالما يجد سماحة من الدائن الذى يتنازل له عن دينه عدة مرات كما يصبح عالة لا يعمل لأنه يجد من يعطيه ومثلا الرجل صاحب الصحة الذى يطلب صدقة مرات عدة يصبح اعطاء الصدقة وهى سماحة له أمرا محرما فينبغى وعظه لكى يعمل أو توفير عمل له حتى لا يظل يعيش عالة يتكفف الناس فالإنسان ليس مخلوقا للبطالة وإنما للعمل
والوسيلة الرابعة عند الفريح هى المداراة وهى لين المعاملة مع الكل وفى هذا قال :
"الوسيلة الرابعة : المداراة:
المداراة وليست المداهنة والمداراة هي لين الكلام والبشاشة وحسن العشرة لأناس عندهم شيء من الفجور والفسق لمصلحة شرعية روى البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها : « أن رجلا استأذن على النبي (ص)فلما رآه قال بئس أخو العشيرة فلما جلس تطلق له وجه النبي (ص)وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة يا رسول الله رأيت الرجل قلت كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال الرسول (ص)يا عائشة متى عهدتني فاحشا ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه »
قال ابن حجر نقلا عن القرطبي ( وفي الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ثم قال - لا زال الكلام للقرطبي تبعا لعياض : والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا والعياذ بالله إذن فنحن بحاجة إلى كسب قلوب الفسقة أيضا بلين الكلام والقيام بحسن العشرة لهدايتهم إلى الصواب - أو على الأقل - لاتقاء شرهم )وبعض الفسقة اليوم أدوات بيد أهل العلمانية يجولون بهم ويصولون بسبب بعد أهل الخير عنهم أو عدم مداراتهم كما فعل الرسول (ص)"
المداراة ليست مطلوبة فى الدولة المسلمة عند ارتكاب الذنوب وهى المنكرات وإنما المداراة تكون فى مراعاة المشاعر فى بعض المسائل منها لحزن البعض خاصة النساء
وأما الخامسة فهى إدخال السرور على الغير وهو جزء من الوسيلة الأولى وهى خدمة الناس وقضاء حوائجهم وفيها قال :
الوسيلة الخامسة :إدخال السرور على الآخرين:
وهي من أهم الوسائل في تقوية الروابط وامتزاج القلوب وائتلافها كما إن إدخال السرور على المسلم يعد من أفضل القربات وأعظم الطاعات التي تقرب العبد إلى رب الأرض والسماوات ولإدخال السرور إلى القلوب المسلمة طرق كثيرة وأبواب عديدة منها ما ورد في حديث ابن عمر
« أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن !! ولكن كيف تدخله؟! قال : تكشف عنه كربًا أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف شهرًا في المسجد ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء الله أن يمضيه أمضاه ملأ الله في قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل فيه الأقدام » وإن سوء الخلق ليفسد الأعمال فلا أقل من الابتسامة والبشاشة فابتسامتك بوجه من تلقاه من المسلمين لها أثر في كسب قلوبهم ؛ولذلك قال (ص)« لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق » والوجه الطلق هو الذي تظهر على محياه البشاشة والسرور قال عبد الله بن الحارث « ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله (ص)» وقال جرير « ما حجبني رسول الله (ص)منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم » كما كان (ص)ينبسط مع الصغير والكبير يلاطفهم ويداعبهم وكان لا يقول إلا حقا وإليك هاتين الصورتين من صور مداعبته (ص)وكسبه لقلوب صحابته
الأولى - مع كبار السن :
أخرج أحمد عن أنس « أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا وكان رسول الله يحبه وكان دميمًا (قبيحًا) فأتاه رسول الله (ص)وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال : أرسلني من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي (ص)فجعل يلصق ظهره بصدر النبي (ص)حين عرفه وجعل النبي (ص)يقول (من يشتري العبد ؟) فقال : يا رسول الله - إذن - والله تجدني كاسدا فقال رسول الله لكن عند الله لست بكاسد أو قال عند الله غال »
أما الصورة الثانية : فهي ملاطفته للأطفال وإدخال السرور عليهم فعند البخاري من حديث أنس « كان رسول الله (ص)أحسن الناس خلقًا وكان لي أخ فطيم يسمى أبا عمير لديه عصفور مريض اسمه النغير فكان رسول الله (ص)يلاطف الطفل الصغير ويقول ( يا أبا عمير ما فعل النغير »
وهكذا أخي الداعية ما ترك رسول الله (ص)سبيلًا إلى قلوب الناس إلا وسلكه ما لم يكن حرامًا ، فإذا كان كذلك كان أبعد الناس عنه(ص)"
وتحدث عن السادسة وهى احترام الأخرين وهو جزء من السماحة وجزء من المدارة وجزء من خدمة الأخرين وفيها قال:
"الوسيلة السادسة:
احترام المسلمين وتقديرهم والتأدب معهم وتبجيلهم وإجلالهم فقد كان (ص)يجل من يدخل عليه ويكرمه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى وينزل الناس منازلهم ويعرف فضل أولي الفضل وقال (ص)يوم الفتح « من دخل دار أبى سفيان فهو آمن » وقال (ص)« ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه » ومما ينبغي أن نذكرك به - أخي الداعية - في هذا المقام :
احترام من خالفك في الرأي مما فيه مجال للاختلاف ومتسع للنظر وعدم انتقاصه ورميه بالجهل وقلة الفقه وسوء الظن به ما دام ظاهره السلامة
احترام المتحدث وعدم مقاطعته قال ابن كثير وكان (ص)إذا حدثه أحد التفت إليه بوجهه وجسمه وأصغى إليه تمام الإصغاء ولا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه
والوسيلة السابعة جزء مما سبق وهى حسن الكلام وفى هذا قال :
"الوسيلة السابعة : حسن الكلام:
لقد حث النبي (ص)على طيب القول وحسن الكلام ، كما في قوله (ص)« الكلمة الطيبة صدقة » لما لها من أثر في تأليف القلوب وتطييب النفوس إنه ليس من المهم توصيل الحقيقة إلى الناس فقط ولكن الأهم هو الوعاء الذي سيحمل تلك الحقيقة بها فإذا كان الرسول (ص)يقول « زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا » فمن باب أولى أن نقول للدعاة زينوا الدعوة بحسن كلامكم فان الكلام الحسن يزيد الدعوة حسنا وجاذبية وخاصة عند النصح أن النصح علاج مر فليصحبه شئ من حلو الكلام فكن من الذين يعملون الحق ويرحمون الخلق واسمع إلى يحيى بن معاذ يقول : (( أحسن شئ كلام رقيق يستخرج من بحر عميق على لسان رجل رقيق )) وكم من كلمة سوء نابية ألقاها صاحبها ولم يبال بنتائجها وبتبعاتها فرقت بين القلوب ومزقت الصفوف وزرعت الحقد والبغضاء والكراهية والشحناء في النفوس ؛ ولذلك ثبت عنه (ص)أنه قال « إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب »
أيها الأخ الكريم وأختم هذه الوسيلة بهذا الموقف التربوي الذي دار فيه الحوار بين الرسول (ص)وعائشة رضي الله عنها قالت عائشة رضي الله عنها : « دخل رهط من اليهود على رسول الله (ص)فقالوا السام عليكم قالت عائشة ففهمتها فقلت :عليكم السام واللعنة قالت : فقال رسول الله (ص)مهلًا يا عائشة فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا ؟ قالت فقال رسول الله (ص)قد قلت وعليكم » فكلام الرسول (ص)مع أهل الفجور والفسوق والكفر يحتاج منا إلى دراسة متأنية ففيه البصيرة النافذة والحكمة البالغة "
والثامنة وهى التواضع واللين هى جزء من السماحة وجزء من احترام الآخرين وفيها قال:
الوسيلة الثامنة : التواضع ولين الجانب:
لقد كسب رسول الله (ص)بتواضعه ولين جانبه قلوب الناس من حوله ذكر أنس صورة من صور تواضعه (ص)فقال « إن امرأة كان في عقلها شئ جاءته فقالت إن لي إليك حاجة قال اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك قال فجلست فجلس النبي (ص)إليها حتى فرغت من حاجتها » وعند البخاري : « إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله (ص)فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له رسول الله (ص): (( هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد » وبهذا الأسلوب والتواضع ولين الجانب دخل الرسول (ص)إلى شغاف قلوب الناس من حوله
أما الظهور بمظهر الأستاذية والنظر إلى المسلمين نظرة دونية فهي صفة شيطانية لا تورث إلا البغض والقطيعة { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } وقد قال (ص)« من كان هينًا لينًا سهلًا حرمه الله على النار »"
ثم كلمنا عن التاسعة فقال الجود والكرم وهو أمران محرمان فى الإسلام لقوله " غن المبذرين كانوا أخوان الشياطيمن" ولأمره بالعدل وهو التوسط فى الإنفاق فقال "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" فالمطلوب ليس الكرم والجود وإنما المطلوب كما قال الله حسن الضيافة وفى هذا قال الفريح:
"الوسيلة التاسعة : الجود والكرم:
إليك - أخي الحبيب - هذا السخاء وذلك الجود يأسر القلوب ويطيب النفوس فعن أنس قال: « إن رجلا سأل رسول الله (ص)فأعطاه غنمًا بين جبلين فرجع إلى بلده وقال :أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى فاقة » فانظر وفقك الله كيف أثر هذا السخاء النبوي على قلب هذا الرجل وجعل منه - بإذن الله - بعد أن كان حربًا على الإسلام أصبح داعية إليه وعن جابر قال « ما سئل النبي (ص)عن شيء قط فقال لا » ومن الجود الهدية وقد قال (ص)« تهادوا تحابوا » فالهدية باب من أبواب كسب القلوب وتنمية التآلف بينها "
والوسبة العاشرة وهى الرفق سبق الكلام عليها فى اللين والتواضع ومن ثم قال فيها:
الوسيلة العاشرة : الرفق:
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله (ص): « إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله » بل الرفق مفضل على كثير من الأخلاق؛ لذا كان ما يعطيه الله لصاحبه من الثناء الحسن في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة أكثر مما يعطيه على غيره لقوله (ص)« إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه »
ومن المواطن التي يتأكد فيها الرفق عند تقويم خطأ الجاهل وانظر الي هذه الصورة المعبرة في تقويم الأشخاص عند خطئهم والتي يملؤها الرفق والرحمة
فعن معاوية بن الحكم السلمي قال « بينما أنا أُصلي مع رسول الله (ص)إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله (ص)فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران )) أو كما قال رسول الله (ص)قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال (( فلا تأتهم ))قلت ومنا رجال يتطيرون قال (( ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم » والأمثلة على ذلك كثيرة كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ومعاملة الرسول (ص)للشاب الذي استأذنه بالزنا وحسن تصرفه (ص)معه "
ويبدو أن الفريح عرف أن ما قاله من تلك الوسائل متداخل مع بعضه البعض ومن ثم كق عن عرض الوسائل ليخبرنا أن كله داخل فى الأخلاق فقال:
"وفي الجملة ؛ فإن الذي ينظر إلى هذه الوسائل يجد أنها لا تكاد تخرج عن دائرة الأخلاق ، فالتزامها إنما هو التزام بالخلق الحسن الذي قال عنه (ص)« أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقا »
وقبل هذا وكله وبعده لا بد أن نذكرك بملاك ذلك كله وهو الإقبال على الله الإقبال على رب القلوب ونيل محبته لحديث أبى هريرة - عن النبي (ص)قال « إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل إن الله يحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض » وحسبك بداعية قد وضع الله له القبول في أهل الأرض قال ابن حجر ((والمراد بالقبول : قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه بالرضا عنه ))
وزاد الإمام مسلم « وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض » والعياذ بالله "
ما قاله الفريح هنا كوسائل اختلطت فيها المعانى كان يعنيه عنها أن يقول طاعة الله أى عبادة الله أى اتباع كلام الله وكلها ذات معنى واحد فالمسلم سواء داعية أو غير هذا لابد ان يكون مطيعا لحكم الله كله
وأخبرنا الفريح ببعض واجبات الدعاة فى الدعوة فقال:
"أولا عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم وقد نبه الرسول (ص)إلى الأمر فقال لمعشر الدعاة « إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء » فهي وصية من داعية هذه الأمة (ص)لجميع الدعاة بضرورة مراعاة أحوال الناس في ركن من أهم أركان هذا الدين ؛ لذا فمراعاة الناس فيما دون ذلك مرتبة من العبادات والمعاملات من باب أولى
وإليك هذه الحادثة التي تدل على أن إغفال هذه الوصية يؤدي إلى نفرة الناس وربما يسبب تركهم للعمل الصالح أو تأخرهم عنه
« كان معاذ يصلي مع النبي (ص)ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي (ص)العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان ؟ قال لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه فلأخبرنه فأتى رسول الله (ص)فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذًا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله (ص)على معاذ فقال : (( أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا ( وفي رواية : أفتان أنت ثلاثا ؟! اقرأ الشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما »
ومراعاة أحوال المدعوين كلام صحيح حيث يخاطب الداعية كل واحد على قدر علمه والأمر الثانى الذى لا يجب على الداعية:
"ثانيًا التعلق بمتاع الدنيا وزخرفها : وهذا المنفر أصله حديث الرسول (ص)« ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس » فالرسول (ص)يعلمنا كيف نكسب الناس وننال محبتهم وذلك بالزهد فيما في أيديهم لأننا إذا تركنا لهم ما أحبوه أحبونا وقلوب أكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريما على الناس ما لم يطمع فيما بين أيديهم فحينئذ يستخفون به ويكرهون حديثه ويبغضونه وقال أعرابي لأهل البصرة من سيدكم ؟ قالوا الحسن قال بم سادكم ؟ قالوا احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم ، فقال: ما أحسن هذا"
والأمر الثالث الذى لا يجب على الداعية الغلظة والفظاظة فقال:
"ثالثًا الغلظة والفظاظة : وهذا المنفر أصله قول الحق عز وجل لسيد الدعاة (ص){ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } وما من شيء أشد تنفيرًا للناس عن الحق والخير مثل دعوتهم إليه بالغلظة والخشونة ولقد انحسر أثر بعض الدعاة المخلصين في الناس ولم يوفقوا إلى إيصال ما لديهم من حق إلى عموم المسلمين وغيرهم لأنهم أخطئوا الأسلوب الذي يفتحون به قلوب الناس وعقولهم فغلب عليهم الجدل بالتي هي أخشن والمواجهة بالغلظة والحدة "
والرابع الممنوع على الداعية مخالفة القول العمل وفيه يقول:
رابعًا : مخالفة القول العمل : ما أشد بغض الناس لداعية خالفت أفعاله أقواله وما أعظم نفرتهم ؛ بل ما أكبر مقت الله عز وجل لهذه الصفة الخسيسة ، حيث يقول عز وجل: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ }{ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } ولقد أنكر الله سبحانه على أقوام يأمرون الناس بالبر ويدعون أنفسهم في غيها { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ولذلك قال شعيب لقومه ما أخبرنا الله به حيث يقول الله تعالى على لسانه : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } ولكن لا بد من الإجابة على شبهة يرددها بعض الناس نعرضها على شكل سؤال وهو هل يترك الداعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة عدم تمكنه من فعله ؟
قال ابن كثير : فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قول العلماء من السلف والخلف وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها ، وهذا ضعيف والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، قال سعيد بن جبير : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر قلت القائل - ابن كثير - : لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم "
والخامس الممنوع على الداعية التعسير والتعقيد فقال :
خامسًا : التعسير والتعقيد : هناك فريق من الناس يبحثون عن كل صعب ومعسر ليقدموه للناس على أنه الإسلام ، دون مراعاة ليسر الإسلام ورفعه للحرج عن الناس وهذا خلاف لما كان (ص)حيث قالت عنه عائشة رضي الله عنها : « ما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ؛ فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه » ولما للتيسير - في حدود الشرع - من أثر في تأليف القلوب وزيادة ربطها بهذا الدين نادى الرسول (ص)بالدعاة قائلا : « يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا » قال النووي : لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر مرة وعسر كثيرًا فقال :"ولا تعسروا " لنفي التعسير في جميع الأحوال ، وكذلك في قوله :" ولا تنفروا " والمراد تأليف من قرب إسلامه ، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطيف ليقبل ، وكذلك تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه ، وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده))
وكما قلنا كل ما سبق يغنى عنه كلمة طاعة حكم الله اى عبادة الله كما طلب أى اتباع كلام الله أى ذكر الله .........
الداعية إذا التزم بأحكام الله لا يحتاج لشىء أخر
الكتاب تأليف مازن بن عبد الكريم الفريح وفى موضوعه قال :
أما بعد :
فإن كسب قلوب الناس ليكونوا بعد ذلك للدعوة محبين وإليها مقبلين ولجندها مناصرين من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن يوليها الدعاة عنايتهم واهتمامهم وأن يكون لها نصيب كبير من تفكيرهم وتخطيطهم
كل هذه الأمور وغيرها تجعل الحديث عن موضوع" كيف تكسب الناس" في غاية الأهمية وقد تناولنا الموضوع من خلال استعراض بعض الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية ثم أتبعناها بذكر بعض المنفرات التي تنفر الناس من الداعية وتمنع استجابتهم له "
قبل الكلام عن كسب قلوب الناس نقول أن الإنسان قد يفعل كل الأمور التى تجذب القلوب ومع هذا تكون النتيجة عدم كسب القلوب أى بتعبير العامة صفر وقد ضرب الله الأمثلة على ذلك بالؤسل(ص) فنوخ دعا قومع فى السر والعلن وفى الليل وفى النهار وكانت النتيجة الكفر به وفى هذا قال تعالى "قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعاءى إلا فرارا وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم فى أذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إنى دعوتهم جهارا ثم إنى أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا"
والنبى الأخير(ص) فعل كل ما بوسعه لجذب قلوب من يحبهم للإسلام ومع هذا لم يحدث الجذب ولذا قال تعالى ناصحا إياه ""إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين"
إذا كل ما على المسلم فعله هو فعل الأسباب كما طلب الله منه ولكن النتيجة ليست مضمونة بأى حال من الأحوال
الفريح كتب ما ظن أنه وسائل جذب القلوب فقال :
"الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية:
الوسيلة الأولى: خدمة الناس وقضاء حوائجهم
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ، والميل إلى من يسعى في قضاء حاجاتها ؛ ولذلك قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأولى الناس بالكسب هم أهلك وأقرباؤك ؛ ولذلك قال رسول الله (ص): « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي » وعندما سئلت عائشة ما كان رسول الله (ص): يفعل قالت « كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة » "
ومنا من لا يبالي بكسب قلوب أقرب الناس إليه كوالديه وزوجته وأقربائه فتجد قلوبهم مثخنة بالكره أو بالضغينة عليه لتقصيره في حقهم، وانشغاله عن أداء واجباته تجاههم ومن أصناف الناس الذين نحتاج لكسبهم ولهم الأفضلية على غيرهم الجيران لقوله (ص)« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره » وأي إكرام أكبر من دعوتهم إلى الهدى والتقى ؛ بل قال (ص) « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه » ولذلك ينبغي أن نتحبب إلى الجار فنبدأه بالسلام ونعوده في المرض ، ونعزيه في المصيبة ، ونهنئه في الفرح ونصفح عن زلته ، ولا نتطلع إلى عورته، ونستر ما انكشف منها ، ونهتم بالإهداء إليه وزيارته ، وصنع المعروف معه، وعدم إيذائه وقد نفى الرسول (ص) الإيمان الكامل عن الذي يؤذي جاره فقال: « والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قال قائل من هو يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه » والبوائق هي الشرور والأذى
ومن أصناف الناس الذين ينبغي أن نكسبهم إلى صف الدعوة- أخي الحبيب- من تقابلهم في العمل ممن هم بحاجة إليك فإذا كنت طبيبًا فالمرضى ، وإذا كنت مدرسًا فالطلاب ، وإذا كنت موظفًا فالمراجعون فلا بد من كسب قلوبهم من خلال تقديمك لأقصى ما تستطيعه من جهد في خدمتهم وإنجاز معاملاتهم وعدم تأخيرها وكم منا من يسمع من يدعو على موظف لم يكلف نفسه في تأدية ما عليه من واجبات في عمله ويؤخر معاملات الناس وعند الترمذي وأبي داود - بإسناد صحيح -عنه (ص) « من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة »
وبالجملة فإن الوظيفة مجال خصب لكسب قلوب الناس وتبليغهم دعوة الله وإنما خصصت هذه الأصناف الثلاثة من الناس بالذكر وهم الأهل أو الأقرباء والجيران ومن نلقاهم في وظائفنا لسببين هما: كثرة اللقاء بهم، والثاني كثرة التقصير أو الإهمال لحقوقهم مما له الأثر السلبي في تقبلهم لما ندعوهم إليه؛ إذن فالمسلم فضلا عن الداعية ينبغي أن يسع الناس كلهم بخلقه وتضحيته ولذلك وصفت خديجة الرسول(ص)فقالت : « إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق »
الكلام عن كون الإحسان يستعبد القلوب فى كل الأحوال ليس صحيحا فكم أحسن نوح(ص) لولده وزوجته ومع هذا كانت النتيجة كفرهما برسالته كل ما على المسلم هو أن يحسن إلى غيره كما أمر الله فى قوله" وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم"
وفى قوله "وقولوا للناس حسنا"
علينا إذا فعل الواجب وليس علينا انتظار النتيجة وهى اعجاب الناس أو حبهم لأن هناك من تفعل مع كل وسائل الإحسان ومع هذا لن يعجب بالإنسان ولن يحبه كما فعل النبى(ص) مع الأغنياء "وأما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى" فكانت النتيجة كما قال ""كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
ثم أخبرنا الفريح بثانى الوسائل وهى :
"الوسيلة الثانية: الحلم وكظم الغيظ:
يخطئ بعض الناس- أحيانًا - في حقك يوعد فيخلف أو يتأخر أو يجرحك بلسانه فلابد لكسبه من حلم وكظم للغيظ لأنك صاحب هدف وغاية تريد أن تصل إليها ؛ ولذا لا بد من حسن تصرفك والله -عز وجل- يمتدح هذا الصنف من الدعاة فيقول : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وعن أنس قال : « كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى أزالت الرداء إلى صفحة عاتق رسول (الله (ص)) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله (ص) وضحك ، وأمر له بعطاء » وهذا الموقف من سيد الخلق (ص) لا يحتاج منا إلى تعليق سوى أن نقول : ما قاله الحق عز وجل في وصف نبيه { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } "
الحلم وكظم الغيظ مطلوبان فى داخل دولة المسلمين ولكن عندما يتعلق الأمر بالعدوان على دولة المسلمين فلا حلم ولا كظم للغيظ تطبيقا لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" ومن ثم فما يشفى الغيظ هو قتال العدو المعتدى كما قال تعالى "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم"
وفى مجتمعاتنا الحالية التى لا تحكم بحكم الله يكون الحلم أحيانا نوع من الجنون لأن الخطأ يتكرر والعفو يتكرر فى دائرة لا تنتهى ومن ثم يجب أن يكون حد للحلم وكطم الغيظ لمنع تكرار الخطأ
ثم أحبرنا الفريح بالثالثة وهى سماحة المعاملة فقال:
"الوسيلة الثالثة: السماحة في المعاملة:
يوجز الرسول(ص)أصول المعاملة التي يدخل فيها المسلم إلى قلوب الناس ويكسب ودهم وحبهم فيقول : « رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى » وفي رواية « وإذا قضى » فالسماحة في البيع : ألا يكون البائع شحيحًا بسلعته ، مغاليًا في الربح ، فظًا في معاملة الناس
والسماحة في الشراء أن يكون المشتري سهلا مع البائع فلا يكثر من المساومة ؛ بل يكون كريم النفس وبالأخص إذا كان المشتري غنيا والبائع فقيرًا معدمًا والسماحة في الاقتضاء : أي عند طلب الرجل حقه أو دينه فإنه يطلبه برفق ولين وربما تجاوز عن المعسر أو أنظره كما في حديث أبي هريرة مرفوعا : « كان رجل يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه » والسماحة في القضاء : هو الوفاء بكل ما عليه من دين أو حقوق على أحسن وجه في الوقت الموعود وانظر كيف دخل الرسول (ص)إلى قلب هذا الرجل الذي روى قصته الإمام البخاري في صحيحه عن أبى هريرة قال: « أن رجلًا أتى النبي (ص)فتقاضاه فأغلظ فهمّ به أصحابه فقال النبي (ص)دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا ثم قال أعطوه سنًا مثل سنه قالوا يا رسول الله لا نجد إلا أفضل من سنه فقال أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء » فقال الرجل « أوفيتني أوفى الله بك »
ومن السماحة في المعاملة : عدم التشديد في محاسبة من قصر في حقك فعن أنس قال « خدمت رسول الله (ص)عشر سنين والله ما قال لي : أف قط ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا »"
السماحة مطلوبة ولكن تكرارها مع أفراد محددين يصبح ضرب من الخبل لأنه يصبح تشجيع على الجريمة فمثلا المستدين الذى يكرر طلب الاستدانة مرات كثيرة يصبح سارق وليس مستدين طالما يجد سماحة من الدائن الذى يتنازل له عن دينه عدة مرات كما يصبح عالة لا يعمل لأنه يجد من يعطيه ومثلا الرجل صاحب الصحة الذى يطلب صدقة مرات عدة يصبح اعطاء الصدقة وهى سماحة له أمرا محرما فينبغى وعظه لكى يعمل أو توفير عمل له حتى لا يظل يعيش عالة يتكفف الناس فالإنسان ليس مخلوقا للبطالة وإنما للعمل
والوسيلة الرابعة عند الفريح هى المداراة وهى لين المعاملة مع الكل وفى هذا قال :
"الوسيلة الرابعة : المداراة:
المداراة وليست المداهنة والمداراة هي لين الكلام والبشاشة وحسن العشرة لأناس عندهم شيء من الفجور والفسق لمصلحة شرعية روى البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها : « أن رجلا استأذن على النبي (ص)فلما رآه قال بئس أخو العشيرة فلما جلس تطلق له وجه النبي (ص)وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة يا رسول الله رأيت الرجل قلت كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال الرسول (ص)يا عائشة متى عهدتني فاحشا ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه »
قال ابن حجر نقلا عن القرطبي ( وفي الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ثم قال - لا زال الكلام للقرطبي تبعا لعياض : والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا والعياذ بالله إذن فنحن بحاجة إلى كسب قلوب الفسقة أيضا بلين الكلام والقيام بحسن العشرة لهدايتهم إلى الصواب - أو على الأقل - لاتقاء شرهم )وبعض الفسقة اليوم أدوات بيد أهل العلمانية يجولون بهم ويصولون بسبب بعد أهل الخير عنهم أو عدم مداراتهم كما فعل الرسول (ص)"
المداراة ليست مطلوبة فى الدولة المسلمة عند ارتكاب الذنوب وهى المنكرات وإنما المداراة تكون فى مراعاة المشاعر فى بعض المسائل منها لحزن البعض خاصة النساء
وأما الخامسة فهى إدخال السرور على الغير وهو جزء من الوسيلة الأولى وهى خدمة الناس وقضاء حوائجهم وفيها قال :
الوسيلة الخامسة :إدخال السرور على الآخرين:
وهي من أهم الوسائل في تقوية الروابط وامتزاج القلوب وائتلافها كما إن إدخال السرور على المسلم يعد من أفضل القربات وأعظم الطاعات التي تقرب العبد إلى رب الأرض والسماوات ولإدخال السرور إلى القلوب المسلمة طرق كثيرة وأبواب عديدة منها ما ورد في حديث ابن عمر
« أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن !! ولكن كيف تدخله؟! قال : تكشف عنه كربًا أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف شهرًا في المسجد ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء الله أن يمضيه أمضاه ملأ الله في قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل فيه الأقدام » وإن سوء الخلق ليفسد الأعمال فلا أقل من الابتسامة والبشاشة فابتسامتك بوجه من تلقاه من المسلمين لها أثر في كسب قلوبهم ؛ولذلك قال (ص)« لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق » والوجه الطلق هو الذي تظهر على محياه البشاشة والسرور قال عبد الله بن الحارث « ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله (ص)» وقال جرير « ما حجبني رسول الله (ص)منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم » كما كان (ص)ينبسط مع الصغير والكبير يلاطفهم ويداعبهم وكان لا يقول إلا حقا وإليك هاتين الصورتين من صور مداعبته (ص)وكسبه لقلوب صحابته
الأولى - مع كبار السن :
أخرج أحمد عن أنس « أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا وكان رسول الله يحبه وكان دميمًا (قبيحًا) فأتاه رسول الله (ص)وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال : أرسلني من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي (ص)فجعل يلصق ظهره بصدر النبي (ص)حين عرفه وجعل النبي (ص)يقول (من يشتري العبد ؟) فقال : يا رسول الله - إذن - والله تجدني كاسدا فقال رسول الله لكن عند الله لست بكاسد أو قال عند الله غال »
أما الصورة الثانية : فهي ملاطفته للأطفال وإدخال السرور عليهم فعند البخاري من حديث أنس « كان رسول الله (ص)أحسن الناس خلقًا وكان لي أخ فطيم يسمى أبا عمير لديه عصفور مريض اسمه النغير فكان رسول الله (ص)يلاطف الطفل الصغير ويقول ( يا أبا عمير ما فعل النغير »
وهكذا أخي الداعية ما ترك رسول الله (ص)سبيلًا إلى قلوب الناس إلا وسلكه ما لم يكن حرامًا ، فإذا كان كذلك كان أبعد الناس عنه(ص)"
وتحدث عن السادسة وهى احترام الأخرين وهو جزء من السماحة وجزء من المدارة وجزء من خدمة الأخرين وفيها قال:
"الوسيلة السادسة:
احترام المسلمين وتقديرهم والتأدب معهم وتبجيلهم وإجلالهم فقد كان (ص)يجل من يدخل عليه ويكرمه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى وينزل الناس منازلهم ويعرف فضل أولي الفضل وقال (ص)يوم الفتح « من دخل دار أبى سفيان فهو آمن » وقال (ص)« ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه » ومما ينبغي أن نذكرك به - أخي الداعية - في هذا المقام :
احترام من خالفك في الرأي مما فيه مجال للاختلاف ومتسع للنظر وعدم انتقاصه ورميه بالجهل وقلة الفقه وسوء الظن به ما دام ظاهره السلامة
احترام المتحدث وعدم مقاطعته قال ابن كثير وكان (ص)إذا حدثه أحد التفت إليه بوجهه وجسمه وأصغى إليه تمام الإصغاء ولا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه
والوسيلة السابعة جزء مما سبق وهى حسن الكلام وفى هذا قال :
"الوسيلة السابعة : حسن الكلام:
لقد حث النبي (ص)على طيب القول وحسن الكلام ، كما في قوله (ص)« الكلمة الطيبة صدقة » لما لها من أثر في تأليف القلوب وتطييب النفوس إنه ليس من المهم توصيل الحقيقة إلى الناس فقط ولكن الأهم هو الوعاء الذي سيحمل تلك الحقيقة بها فإذا كان الرسول (ص)يقول « زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا » فمن باب أولى أن نقول للدعاة زينوا الدعوة بحسن كلامكم فان الكلام الحسن يزيد الدعوة حسنا وجاذبية وخاصة عند النصح أن النصح علاج مر فليصحبه شئ من حلو الكلام فكن من الذين يعملون الحق ويرحمون الخلق واسمع إلى يحيى بن معاذ يقول : (( أحسن شئ كلام رقيق يستخرج من بحر عميق على لسان رجل رقيق )) وكم من كلمة سوء نابية ألقاها صاحبها ولم يبال بنتائجها وبتبعاتها فرقت بين القلوب ومزقت الصفوف وزرعت الحقد والبغضاء والكراهية والشحناء في النفوس ؛ ولذلك ثبت عنه (ص)أنه قال « إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب »
أيها الأخ الكريم وأختم هذه الوسيلة بهذا الموقف التربوي الذي دار فيه الحوار بين الرسول (ص)وعائشة رضي الله عنها قالت عائشة رضي الله عنها : « دخل رهط من اليهود على رسول الله (ص)فقالوا السام عليكم قالت عائشة ففهمتها فقلت :عليكم السام واللعنة قالت : فقال رسول الله (ص)مهلًا يا عائشة فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا ؟ قالت فقال رسول الله (ص)قد قلت وعليكم » فكلام الرسول (ص)مع أهل الفجور والفسوق والكفر يحتاج منا إلى دراسة متأنية ففيه البصيرة النافذة والحكمة البالغة "
والثامنة وهى التواضع واللين هى جزء من السماحة وجزء من احترام الآخرين وفيها قال:
الوسيلة الثامنة : التواضع ولين الجانب:
لقد كسب رسول الله (ص)بتواضعه ولين جانبه قلوب الناس من حوله ذكر أنس صورة من صور تواضعه (ص)فقال « إن امرأة كان في عقلها شئ جاءته فقالت إن لي إليك حاجة قال اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك قال فجلست فجلس النبي (ص)إليها حتى فرغت من حاجتها » وعند البخاري : « إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله (ص)فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له رسول الله (ص): (( هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد » وبهذا الأسلوب والتواضع ولين الجانب دخل الرسول (ص)إلى شغاف قلوب الناس من حوله
أما الظهور بمظهر الأستاذية والنظر إلى المسلمين نظرة دونية فهي صفة شيطانية لا تورث إلا البغض والقطيعة { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } وقد قال (ص)« من كان هينًا لينًا سهلًا حرمه الله على النار »"
ثم كلمنا عن التاسعة فقال الجود والكرم وهو أمران محرمان فى الإسلام لقوله " غن المبذرين كانوا أخوان الشياطيمن" ولأمره بالعدل وهو التوسط فى الإنفاق فقال "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" فالمطلوب ليس الكرم والجود وإنما المطلوب كما قال الله حسن الضيافة وفى هذا قال الفريح:
"الوسيلة التاسعة : الجود والكرم:
إليك - أخي الحبيب - هذا السخاء وذلك الجود يأسر القلوب ويطيب النفوس فعن أنس قال: « إن رجلا سأل رسول الله (ص)فأعطاه غنمًا بين جبلين فرجع إلى بلده وقال :أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى فاقة » فانظر وفقك الله كيف أثر هذا السخاء النبوي على قلب هذا الرجل وجعل منه - بإذن الله - بعد أن كان حربًا على الإسلام أصبح داعية إليه وعن جابر قال « ما سئل النبي (ص)عن شيء قط فقال لا » ومن الجود الهدية وقد قال (ص)« تهادوا تحابوا » فالهدية باب من أبواب كسب القلوب وتنمية التآلف بينها "
والوسبة العاشرة وهى الرفق سبق الكلام عليها فى اللين والتواضع ومن ثم قال فيها:
الوسيلة العاشرة : الرفق:
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله (ص): « إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله » بل الرفق مفضل على كثير من الأخلاق؛ لذا كان ما يعطيه الله لصاحبه من الثناء الحسن في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة أكثر مما يعطيه على غيره لقوله (ص)« إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه »
ومن المواطن التي يتأكد فيها الرفق عند تقويم خطأ الجاهل وانظر الي هذه الصورة المعبرة في تقويم الأشخاص عند خطئهم والتي يملؤها الرفق والرحمة
فعن معاوية بن الحكم السلمي قال « بينما أنا أُصلي مع رسول الله (ص)إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله (ص)فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران )) أو كما قال رسول الله (ص)قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال (( فلا تأتهم ))قلت ومنا رجال يتطيرون قال (( ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم » والأمثلة على ذلك كثيرة كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ومعاملة الرسول (ص)للشاب الذي استأذنه بالزنا وحسن تصرفه (ص)معه "
ويبدو أن الفريح عرف أن ما قاله من تلك الوسائل متداخل مع بعضه البعض ومن ثم كق عن عرض الوسائل ليخبرنا أن كله داخل فى الأخلاق فقال:
"وفي الجملة ؛ فإن الذي ينظر إلى هذه الوسائل يجد أنها لا تكاد تخرج عن دائرة الأخلاق ، فالتزامها إنما هو التزام بالخلق الحسن الذي قال عنه (ص)« أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقا »
وقبل هذا وكله وبعده لا بد أن نذكرك بملاك ذلك كله وهو الإقبال على الله الإقبال على رب القلوب ونيل محبته لحديث أبى هريرة - عن النبي (ص)قال « إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل إن الله يحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض » وحسبك بداعية قد وضع الله له القبول في أهل الأرض قال ابن حجر ((والمراد بالقبول : قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه بالرضا عنه ))
وزاد الإمام مسلم « وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض » والعياذ بالله "
ما قاله الفريح هنا كوسائل اختلطت فيها المعانى كان يعنيه عنها أن يقول طاعة الله أى عبادة الله أى اتباع كلام الله وكلها ذات معنى واحد فالمسلم سواء داعية أو غير هذا لابد ان يكون مطيعا لحكم الله كله
وأخبرنا الفريح ببعض واجبات الدعاة فى الدعوة فقال:
"أولا عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم وقد نبه الرسول (ص)إلى الأمر فقال لمعشر الدعاة « إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء » فهي وصية من داعية هذه الأمة (ص)لجميع الدعاة بضرورة مراعاة أحوال الناس في ركن من أهم أركان هذا الدين ؛ لذا فمراعاة الناس فيما دون ذلك مرتبة من العبادات والمعاملات من باب أولى
وإليك هذه الحادثة التي تدل على أن إغفال هذه الوصية يؤدي إلى نفرة الناس وربما يسبب تركهم للعمل الصالح أو تأخرهم عنه
« كان معاذ يصلي مع النبي (ص)ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي (ص)العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان ؟ قال لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه فلأخبرنه فأتى رسول الله (ص)فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذًا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله (ص)على معاذ فقال : (( أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا ( وفي رواية : أفتان أنت ثلاثا ؟! اقرأ الشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما »
ومراعاة أحوال المدعوين كلام صحيح حيث يخاطب الداعية كل واحد على قدر علمه والأمر الثانى الذى لا يجب على الداعية:
"ثانيًا التعلق بمتاع الدنيا وزخرفها : وهذا المنفر أصله حديث الرسول (ص)« ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس » فالرسول (ص)يعلمنا كيف نكسب الناس وننال محبتهم وذلك بالزهد فيما في أيديهم لأننا إذا تركنا لهم ما أحبوه أحبونا وقلوب أكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريما على الناس ما لم يطمع فيما بين أيديهم فحينئذ يستخفون به ويكرهون حديثه ويبغضونه وقال أعرابي لأهل البصرة من سيدكم ؟ قالوا الحسن قال بم سادكم ؟ قالوا احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم ، فقال: ما أحسن هذا"
والأمر الثالث الذى لا يجب على الداعية الغلظة والفظاظة فقال:
"ثالثًا الغلظة والفظاظة : وهذا المنفر أصله قول الحق عز وجل لسيد الدعاة (ص){ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } وما من شيء أشد تنفيرًا للناس عن الحق والخير مثل دعوتهم إليه بالغلظة والخشونة ولقد انحسر أثر بعض الدعاة المخلصين في الناس ولم يوفقوا إلى إيصال ما لديهم من حق إلى عموم المسلمين وغيرهم لأنهم أخطئوا الأسلوب الذي يفتحون به قلوب الناس وعقولهم فغلب عليهم الجدل بالتي هي أخشن والمواجهة بالغلظة والحدة "
والرابع الممنوع على الداعية مخالفة القول العمل وفيه يقول:
رابعًا : مخالفة القول العمل : ما أشد بغض الناس لداعية خالفت أفعاله أقواله وما أعظم نفرتهم ؛ بل ما أكبر مقت الله عز وجل لهذه الصفة الخسيسة ، حيث يقول عز وجل: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ }{ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } ولقد أنكر الله سبحانه على أقوام يأمرون الناس بالبر ويدعون أنفسهم في غيها { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ولذلك قال شعيب لقومه ما أخبرنا الله به حيث يقول الله تعالى على لسانه : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } ولكن لا بد من الإجابة على شبهة يرددها بعض الناس نعرضها على شكل سؤال وهو هل يترك الداعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة عدم تمكنه من فعله ؟
قال ابن كثير : فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قول العلماء من السلف والخلف وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها ، وهذا ضعيف والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، قال سعيد بن جبير : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر قلت القائل - ابن كثير - : لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم "
والخامس الممنوع على الداعية التعسير والتعقيد فقال :
خامسًا : التعسير والتعقيد : هناك فريق من الناس يبحثون عن كل صعب ومعسر ليقدموه للناس على أنه الإسلام ، دون مراعاة ليسر الإسلام ورفعه للحرج عن الناس وهذا خلاف لما كان (ص)حيث قالت عنه عائشة رضي الله عنها : « ما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ؛ فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه » ولما للتيسير - في حدود الشرع - من أثر في تأليف القلوب وزيادة ربطها بهذا الدين نادى الرسول (ص)بالدعاة قائلا : « يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا » قال النووي : لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر مرة وعسر كثيرًا فقال :"ولا تعسروا " لنفي التعسير في جميع الأحوال ، وكذلك في قوله :" ولا تنفروا " والمراد تأليف من قرب إسلامه ، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطيف ليقبل ، وكذلك تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه ، وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده))
وكما قلنا كل ما سبق يغنى عنه كلمة طاعة حكم الله اى عبادة الله كما طلب أى اتباع كلام الله أى ذكر الله .........
الداعية إذا التزم بأحكام الله لا يحتاج لشىء أخر
رضا البطاوى- المساهمات : 1555
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
مواضيع مماثلة
» قراءة في كتاب الأصل في الناس الجهالة لا العدالة
» نقد كتاب أشد الناس عداوة
» نقد كتاب فن التعامل مع الناس
» قراءة فى مقال أنصت يحبك الناس
» نقد كتاب أصناف الناس في القرآن
» نقد كتاب أشد الناس عداوة
» نقد كتاب فن التعامل مع الناس
» قراءة فى مقال أنصت يحبك الناس
» نقد كتاب أصناف الناس في القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى