قراءة فى خطبة مخالطة الأخيار ومجانبة الأشرار
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى خطبة مخالطة الأخيار ومجانبة الأشرار
قراءة فى خطبة مخالطة الأخيار ومجانبة الأشرار
الخطيب أبو أويس محمد بوخبزة الحسني وقد استهل الحسنى الخطبة بالمقدمة التقليدية المعهودة والتى تركنا ذكرها والخطبة تدور حول التعامل مع الأخيار والبعد عن الأشرار
وقد استهل الخطبة بذكر الآيات التى تطلب البعد عن الأشرار والقرب من الأخيار فقال :
" قال الله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون)
وقال تعالى: مخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم -:
(و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) .
وقال تعالى في توجيه خليله - صلى الله عليه وسلم -:
(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء، ولكن ذكرى لعلهم يتقون)"
والآيات الثلاث ليس فى مقاربة الأخيار والبعد عن الأشرار فالأولى تطلب من المسلمين عدم السكوت على ظلم الظالمين حتى لا يتم عقابهم معهم فهى لا تطلب منهم عدم معاملتهم نهائيا وعدم السكوت يكون بالتعامل معهم إما برد عدوانهم كما قال تعالى :
"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وإما بوعظهم كما قال تعالى :
"أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا"
ففى حالتى الحرب والسلام سيتم معاملتهم وليس تركهم
والثانية طلبت من النبى(ص) ألا يطع الكفار ولكنها لم تمنعه من التعامل معهم بالعدل كما قال تعالى :
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
والثالثة طلبت عدم القعود مع الكفار عند الاستهزاء بآيات الله فقط بقوله" فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" وأما فيما عدا ذلك فيحق للمسلم مجالسة الكفار والتعامل معهم
وتحدث بو خبزة عن كون التقليد هو ما يدور عليه أمر الأخيار والأشرار فقال :
"أيها المسلمون: الأخيار الأشرار، هما العنصران المهمان، في تعديل سلوك الإنسان واعوجاجه وانحرافه واستقامته، وحُسن أخلاقه و قبحها، وفساد طباعه وصلاحها، لأن التقليد والمحاكاة والتأثر، غريزة مشتركة، وطبيعة مُشاعة بين الناس ونتيجة محتومة للمخالطة، فإن الطبعَ للطبع سارق، و مع من تكون بحاله تكون، وفي الحِكم المأثورة:
"من خالط قوماً أربعين يوماً تخلّق بأخلاقهم أحبّ أم كره" ، وهذه المدة أقصى زمان الانصياع والتأثر للطباع ( .. ) وقد تحصل النتيجة في أقل من هذه المدة، وقد اعتنى العلماء والحكماء قديماً وحديثاً بقضية الاختلاط والقدوة، وخطرها في التربية ( .. ) فأجمعوا على لزوم الاحتكاك بالأخيار، و إدامة مخالطتهم وكثرة التقرب منهم، والحرص على صحبتهم والاقتداء بهم، والسير على منهجهم والتحلي بأخلاقهم، وهم القوم الذين طهرت قلوبهم و زكت نفوسهم، وحسُنت أخلاقهم، وصلُحت أعمالهم، فلا يدُلّون إلاّ على الخير، ولا يصدر منهم إلا الجميل، كما اتفقوا على وُجوب مخالفة الأشرار، والابتعاد عنهم ... وهجرهم، لخطرهم على دين المرء ودنياه خصوصا الأطفال والشباب، فإنهم أسرع تأثراً و فساداً و تضرراً، وبالأخص الفتيات والبنات، لِمَا رُكِّب في طباعهنّ من فرط الإحساس و رقة الشعور، وسرعة الانخداع و الاغترار، وسهولة النسيان والوقوع في الشرك كما هو مشاهد ملموس، ولقد تهاون الناس بهذا الأمر و أهملوه، و احتقروه و أغفلوه، حتى استفحل الداء، وعزّ الدواء، وساعد على هذا الوباء، انعدام التربية الإسلامية من البيوت والمدارس، وفساد المجتمع، وقلة مبالاة بما يؤول إليه الأمر، وينتهي إليه التفريط، وهو بلا شك السقوط المحقق، والهلاك المحتّم."
وهذا الكلام عن حكاية التقليد هو من ضمن تكذيب كلام الله لأنه لو كان كما يقال فكيف خرج المسلمون من داخل كل الأقوام الكافرة فرغم أنهم عاشوا عشرات السنوات فى مجتمعات الفساد إلا أنهم الأطهار خرجوا من وسطهم فالرسل (ص)عدا القليل منهم عاشوا فى مجتمعات كافرة ومع هذا خرجوا ودعوا للقضاء على الفساد هم والمؤمنين القلة معهم وفى هذا قال تعالى :
"فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد فى الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"
والحسنى لا يفرق بين حالين فى خطبته :
الأولى العيش فى مجتمعات مختلطة تحكم بغير شرع الله وهذه لا يمكن للمسلمين أن يتحكموا فيها فى المجتمع
الثانية العيش فى مجتمع مسلم يحكم بحكم الله وهذا المجتمع بالقطع سيمنع الفساد فيه بتطبيق أحكام الله
وتحدث الحسنى عن انتشار الفساد الأخلاقى وتقليد الصغار والشباب له فقال :
"وإذا أصيب الناس في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
ومن المعروف المُشاهد، أن الأولاد والشباب فسدت أخلاق جُمهورهم، وتدنَّست طِباعهم، فساء نطقهم، وقبُح فعلهم، فلا تسمع من أفواههم إلا الفحش والخنا، وما لا عهد لنا به معروفاً لصغار الأطفال، ولا ترى من أفعالهم إلا لعب القمار، والازدحام على دور السينما والمسارح، والمضاربة، والألعاب الضارة، والتدخين و السُّكر، وقد رأينا منهم أطفالاً يدخنون الكيف، و يأكلون الحشيش، ويشربون الخمر، وأعمارهم لا تتجاوز عشر سنوات، وهذا إنما جاءهم من الاختلاط بالفجار و الأشرار، الذين يكثر عددهم، ويستفحل ضررهم بيننا يوماً بعد يوم.
أما فتياتنا وبناتنا، فحدّث عن المسْخ ولا حرج، ولا تسَع خُطبة ولا محاضرة ولا درس، في شرح مأساتهن التي تبشر طلائعها بمستقبل جدّ مظلم، ومصير مفزع محزن، الفتاة - حفظنا الله وإياك من الشر والفتن - موضِع السِّر، ومكان الحرث، ومباءة الولد، وحرز الكرامة، و وعاء الخير والشر، و المدرسة الأولى للتوجيه، وهي في رِقتها وسرعة انفعالها، وفرط تقلُبها، وسهولة انخداعها، وتوقُع انصياعها، مضر بالمثل، وقد سمّاهن الشرع القوارير، تشبيهاً لهن بالزجاج في ضعفه، ... وشفافته وسرعة تكسّره، وفوات إصلاحه إذا انكسر، وأدنى تهاون بأمرهن، خصوصا الصغيرات منهن، يُفضي إلى أوخم العواقب، وأقبح النهايات وكم رأينا وسمعنا من يجرعون مرارة الشكوى، و يبتلعون غُصص الحسْرة والندامة، على ما آل إليه أمر فتياتهن أو نسائهن، اللائي تساهلوا معهن، وفسحوا لهنّ المجال، و وفّروا لهنّ نصيبهن من الحرية، التي أساء الناس فهمها واستعمالها، فأُفلِت الزّمام من يدهم،ووقفوا ينظرون ما يُدمي قلوبهم، و يبكي عيونهم، ويقضّ مضاجعهم، فمنهم من هربت زوجته مع صاحبها، و تركته مع أولاده في حِرمان وضياع، ومنهم من حبلت بنته من زنا، ومنهم من اختطفت من داره ومنهم .... ومنهم .... مما يعرفه الناس، ويعلمون أن مردَّه ومنشأه إلى الإهمال والتفريط وعدم المراعاة، والتغاضي عن الاختلاط الشائن، وسوء الخلطة، وخُلطاء السوء، وأقران الشرّ، لا بد أن ينال المرء من شرّهن قليلاً أو كثيراً، على حسب طول الاختلاط و قصره، و قوة الاستعداد أو ضعفه"
وما تحدث عنه بو خبزة الحسنى هنا هو مجتمعاتنا الحالية البعيدة عن حكم الله فشيوع الفساد فيها هو نتيجة عمل الحكام على شيوعها وخوف الناس منهم ومن ثم فما يقومون به هو الحماية الشخصية لأنفسهم وأما أولادهم فهم يربونها على الحق ولكن لا يمكن أن يمنعوا فسادهم كما لم يقدر نوح(ص) على منع كفر ابنه
واستشهد الحسنى بحديث عن الجلساء الأخيار والأشرار فقال :
" وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – المثل لذلك، فقال فيما رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذِيك - يعطيك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) . وفي رواية لأبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (مثل الجليس الصالح، كمثل صاحب المسك إن لم يُصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء، كمثل صاحب الكير، إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه) .
والحديث هو فى مصاحبة الناس وليس فى القرب من الأخيار والبعد عن الأشرار فهناك فرق بين الاثنين فالتعامل مع الكفار معاهدين ومحاربين واجب اضطرارا وهو قرب منهم ولا يمكن مثلا عمل مجتمع مسلم خالص مائة فى المائة فالله لا يجيز طرد الكفار من بيوتهم طالما استمروا فى حالة سلام مع المسلمين لم يقاتلوهم أو يساعدوا العدو عليهم أو يطردوا المسلمين من بيوتهم وفى هذا قال تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
وأما الصحبة فالمسلم يقدر على التحكم فيها إذا كان فى مجتمع يحكم بحكم الله وأما فى المجتمع الكافر حيث الكفار كثرة فلا يقدر على التحكم فى الصحبة تماما مهما فعل لأنه لن يجد سوى مسلمين قلة يتعامل معهم ولذا مثلا سمى الله محمد(ص) صاحب الكفار فقال :
"أفلم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين:
وطالب الحسنى كل مسلم الالتزام بتعاليم الإسلام فقال :
"هذه أيها المسلمون بعض التعاليم الإسلامية فيما يتعلق بهذا الموضوع الخطير، فاعرض نفسك عليها
أيّها المسلم وحدِّد موقفك منها، واعلم أنك مسؤول أمام الله عن نفسك و رعيَّتك، وأن هذه المسؤولية ثقيلة جداً في هذا الزمان، الذي كثُر شرّه، وقلّ خيره، ولا يخفاك يا أخي أن هذه المصائب ستزداد شِدّتها، و تستعر نارها، فيضيق الخناق على الإنسان، حتى يصير المتمسك بدينه في زمنها كالقابض على الجمر ، وحتى يمّر الرجل بقبر أخيه فيقول، يا ليتني مكانك ، مما يعاني من الشدائد، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -فتمسك بالصبر، والجأ إلى الله تعالى في الشدّة، فإن الله جاعل لك فرجاً ومخرجاً، إن صدقت نيتك، وصفت طاعتك، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها و أجرنا من خزيّ الدنيا وعذاب الآخرة"
وما عرضه الرجل هنا ليس هو حقيقة القرب والبعد من الأخيار والأشرار فهو قصد المصاحبة فقط بينما الموضوع أكبر مما ظن
الخطيب أبو أويس محمد بوخبزة الحسني وقد استهل الحسنى الخطبة بالمقدمة التقليدية المعهودة والتى تركنا ذكرها والخطبة تدور حول التعامل مع الأخيار والبعد عن الأشرار
وقد استهل الخطبة بذكر الآيات التى تطلب البعد عن الأشرار والقرب من الأخيار فقال :
" قال الله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون)
وقال تعالى: مخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم -:
(و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) .
وقال تعالى في توجيه خليله - صلى الله عليه وسلم -:
(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء، ولكن ذكرى لعلهم يتقون)"
والآيات الثلاث ليس فى مقاربة الأخيار والبعد عن الأشرار فالأولى تطلب من المسلمين عدم السكوت على ظلم الظالمين حتى لا يتم عقابهم معهم فهى لا تطلب منهم عدم معاملتهم نهائيا وعدم السكوت يكون بالتعامل معهم إما برد عدوانهم كما قال تعالى :
"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وإما بوعظهم كما قال تعالى :
"أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا"
ففى حالتى الحرب والسلام سيتم معاملتهم وليس تركهم
والثانية طلبت من النبى(ص) ألا يطع الكفار ولكنها لم تمنعه من التعامل معهم بالعدل كما قال تعالى :
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
والثالثة طلبت عدم القعود مع الكفار عند الاستهزاء بآيات الله فقط بقوله" فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" وأما فيما عدا ذلك فيحق للمسلم مجالسة الكفار والتعامل معهم
وتحدث بو خبزة عن كون التقليد هو ما يدور عليه أمر الأخيار والأشرار فقال :
"أيها المسلمون: الأخيار الأشرار، هما العنصران المهمان، في تعديل سلوك الإنسان واعوجاجه وانحرافه واستقامته، وحُسن أخلاقه و قبحها، وفساد طباعه وصلاحها، لأن التقليد والمحاكاة والتأثر، غريزة مشتركة، وطبيعة مُشاعة بين الناس ونتيجة محتومة للمخالطة، فإن الطبعَ للطبع سارق، و مع من تكون بحاله تكون، وفي الحِكم المأثورة:
"من خالط قوماً أربعين يوماً تخلّق بأخلاقهم أحبّ أم كره" ، وهذه المدة أقصى زمان الانصياع والتأثر للطباع ( .. ) وقد تحصل النتيجة في أقل من هذه المدة، وقد اعتنى العلماء والحكماء قديماً وحديثاً بقضية الاختلاط والقدوة، وخطرها في التربية ( .. ) فأجمعوا على لزوم الاحتكاك بالأخيار، و إدامة مخالطتهم وكثرة التقرب منهم، والحرص على صحبتهم والاقتداء بهم، والسير على منهجهم والتحلي بأخلاقهم، وهم القوم الذين طهرت قلوبهم و زكت نفوسهم، وحسُنت أخلاقهم، وصلُحت أعمالهم، فلا يدُلّون إلاّ على الخير، ولا يصدر منهم إلا الجميل، كما اتفقوا على وُجوب مخالفة الأشرار، والابتعاد عنهم ... وهجرهم، لخطرهم على دين المرء ودنياه خصوصا الأطفال والشباب، فإنهم أسرع تأثراً و فساداً و تضرراً، وبالأخص الفتيات والبنات، لِمَا رُكِّب في طباعهنّ من فرط الإحساس و رقة الشعور، وسرعة الانخداع و الاغترار، وسهولة النسيان والوقوع في الشرك كما هو مشاهد ملموس، ولقد تهاون الناس بهذا الأمر و أهملوه، و احتقروه و أغفلوه، حتى استفحل الداء، وعزّ الدواء، وساعد على هذا الوباء، انعدام التربية الإسلامية من البيوت والمدارس، وفساد المجتمع، وقلة مبالاة بما يؤول إليه الأمر، وينتهي إليه التفريط، وهو بلا شك السقوط المحقق، والهلاك المحتّم."
وهذا الكلام عن حكاية التقليد هو من ضمن تكذيب كلام الله لأنه لو كان كما يقال فكيف خرج المسلمون من داخل كل الأقوام الكافرة فرغم أنهم عاشوا عشرات السنوات فى مجتمعات الفساد إلا أنهم الأطهار خرجوا من وسطهم فالرسل (ص)عدا القليل منهم عاشوا فى مجتمعات كافرة ومع هذا خرجوا ودعوا للقضاء على الفساد هم والمؤمنين القلة معهم وفى هذا قال تعالى :
"فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد فى الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"
والحسنى لا يفرق بين حالين فى خطبته :
الأولى العيش فى مجتمعات مختلطة تحكم بغير شرع الله وهذه لا يمكن للمسلمين أن يتحكموا فيها فى المجتمع
الثانية العيش فى مجتمع مسلم يحكم بحكم الله وهذا المجتمع بالقطع سيمنع الفساد فيه بتطبيق أحكام الله
وتحدث الحسنى عن انتشار الفساد الأخلاقى وتقليد الصغار والشباب له فقال :
"وإذا أصيب الناس في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
ومن المعروف المُشاهد، أن الأولاد والشباب فسدت أخلاق جُمهورهم، وتدنَّست طِباعهم، فساء نطقهم، وقبُح فعلهم، فلا تسمع من أفواههم إلا الفحش والخنا، وما لا عهد لنا به معروفاً لصغار الأطفال، ولا ترى من أفعالهم إلا لعب القمار، والازدحام على دور السينما والمسارح، والمضاربة، والألعاب الضارة، والتدخين و السُّكر، وقد رأينا منهم أطفالاً يدخنون الكيف، و يأكلون الحشيش، ويشربون الخمر، وأعمارهم لا تتجاوز عشر سنوات، وهذا إنما جاءهم من الاختلاط بالفجار و الأشرار، الذين يكثر عددهم، ويستفحل ضررهم بيننا يوماً بعد يوم.
أما فتياتنا وبناتنا، فحدّث عن المسْخ ولا حرج، ولا تسَع خُطبة ولا محاضرة ولا درس، في شرح مأساتهن التي تبشر طلائعها بمستقبل جدّ مظلم، ومصير مفزع محزن، الفتاة - حفظنا الله وإياك من الشر والفتن - موضِع السِّر، ومكان الحرث، ومباءة الولد، وحرز الكرامة، و وعاء الخير والشر، و المدرسة الأولى للتوجيه، وهي في رِقتها وسرعة انفعالها، وفرط تقلُبها، وسهولة انخداعها، وتوقُع انصياعها، مضر بالمثل، وقد سمّاهن الشرع القوارير، تشبيهاً لهن بالزجاج في ضعفه، ... وشفافته وسرعة تكسّره، وفوات إصلاحه إذا انكسر، وأدنى تهاون بأمرهن، خصوصا الصغيرات منهن، يُفضي إلى أوخم العواقب، وأقبح النهايات وكم رأينا وسمعنا من يجرعون مرارة الشكوى، و يبتلعون غُصص الحسْرة والندامة، على ما آل إليه أمر فتياتهن أو نسائهن، اللائي تساهلوا معهن، وفسحوا لهنّ المجال، و وفّروا لهنّ نصيبهن من الحرية، التي أساء الناس فهمها واستعمالها، فأُفلِت الزّمام من يدهم،ووقفوا ينظرون ما يُدمي قلوبهم، و يبكي عيونهم، ويقضّ مضاجعهم، فمنهم من هربت زوجته مع صاحبها، و تركته مع أولاده في حِرمان وضياع، ومنهم من حبلت بنته من زنا، ومنهم من اختطفت من داره ومنهم .... ومنهم .... مما يعرفه الناس، ويعلمون أن مردَّه ومنشأه إلى الإهمال والتفريط وعدم المراعاة، والتغاضي عن الاختلاط الشائن، وسوء الخلطة، وخُلطاء السوء، وأقران الشرّ، لا بد أن ينال المرء من شرّهن قليلاً أو كثيراً، على حسب طول الاختلاط و قصره، و قوة الاستعداد أو ضعفه"
وما تحدث عنه بو خبزة الحسنى هنا هو مجتمعاتنا الحالية البعيدة عن حكم الله فشيوع الفساد فيها هو نتيجة عمل الحكام على شيوعها وخوف الناس منهم ومن ثم فما يقومون به هو الحماية الشخصية لأنفسهم وأما أولادهم فهم يربونها على الحق ولكن لا يمكن أن يمنعوا فسادهم كما لم يقدر نوح(ص) على منع كفر ابنه
واستشهد الحسنى بحديث عن الجلساء الأخيار والأشرار فقال :
" وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – المثل لذلك، فقال فيما رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذِيك - يعطيك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) . وفي رواية لأبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (مثل الجليس الصالح، كمثل صاحب المسك إن لم يُصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء، كمثل صاحب الكير، إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه) .
والحديث هو فى مصاحبة الناس وليس فى القرب من الأخيار والبعد عن الأشرار فهناك فرق بين الاثنين فالتعامل مع الكفار معاهدين ومحاربين واجب اضطرارا وهو قرب منهم ولا يمكن مثلا عمل مجتمع مسلم خالص مائة فى المائة فالله لا يجيز طرد الكفار من بيوتهم طالما استمروا فى حالة سلام مع المسلمين لم يقاتلوهم أو يساعدوا العدو عليهم أو يطردوا المسلمين من بيوتهم وفى هذا قال تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
وأما الصحبة فالمسلم يقدر على التحكم فيها إذا كان فى مجتمع يحكم بحكم الله وأما فى المجتمع الكافر حيث الكفار كثرة فلا يقدر على التحكم فى الصحبة تماما مهما فعل لأنه لن يجد سوى مسلمين قلة يتعامل معهم ولذا مثلا سمى الله محمد(ص) صاحب الكفار فقال :
"أفلم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين:
وطالب الحسنى كل مسلم الالتزام بتعاليم الإسلام فقال :
"هذه أيها المسلمون بعض التعاليم الإسلامية فيما يتعلق بهذا الموضوع الخطير، فاعرض نفسك عليها
أيّها المسلم وحدِّد موقفك منها، واعلم أنك مسؤول أمام الله عن نفسك و رعيَّتك، وأن هذه المسؤولية ثقيلة جداً في هذا الزمان، الذي كثُر شرّه، وقلّ خيره، ولا يخفاك يا أخي أن هذه المصائب ستزداد شِدّتها، و تستعر نارها، فيضيق الخناق على الإنسان، حتى يصير المتمسك بدينه في زمنها كالقابض على الجمر ، وحتى يمّر الرجل بقبر أخيه فيقول، يا ليتني مكانك ، مما يعاني من الشدائد، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -فتمسك بالصبر، والجأ إلى الله تعالى في الشدّة، فإن الله جاعل لك فرجاً ومخرجاً، إن صدقت نيتك، وصفت طاعتك، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها و أجرنا من خزيّ الدنيا وعذاب الآخرة"
وما عرضه الرجل هنا ليس هو حقيقة القرب والبعد من الأخيار والأشرار فهو قصد المصاحبة فقط بينما الموضوع أكبر مما ظن
رضا البطاوى- المساهمات : 1556
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
مواضيع مماثلة
» نظرات فى خطبة التحذير من مخالطة الكفار ومعاشرتهم
» قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار
» قراءة فى خطبة العين حق
» قراءة فى خطبة شهر التوبة
» قراءة فى خطبة أدب الجوار
» قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار
» قراءة فى خطبة العين حق
» قراءة فى خطبة شهر التوبة
» قراءة فى خطبة أدب الجوار
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى