نقد كتاب علاج النصوص المخالفة للعقل
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب علاج النصوص المخالفة للعقل
نقد كتاب علاج النصوص المخالفة للعقل
المؤلف محمد تقي الفقيه وقد تحدث المؤلف عن النصوص وهو يقصد بها كتاب الله والأحاديث والنص وهو الوحى الإلهى لا يمكن أن يكون مخالفا للعقل وأصل المسألة :
ما يسمى بالفهم الخاطىء للكلام نتيجة اعتبارات كثيرة أهمها كتب اللغة القديمة وكله يدخل تحت تسمية اتباع الهوى
النص لا يوجد فيه شىء مخالف للعقل وإنما النفس تتبع هواها فى تفسير الكلمات حسب ما تريد من كتب اللغة أو من اختراعات النفس نفسها
الفقيه تحدث عن النوع الأول من المخالفات فقال:
"النوع الأول
وهو على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الآيات والأحاديث الظاهرة في تجسيم الصانع وتحديده.
الصنف الثاني: الآيات والأحاديث الظاهرة في كون الإنسان غير مختار في أفعاله.
الصنف الثالث: الآيات والأحاديث الظاهرة في صدور الذنوب والمعاصي من الأنبياء.
ولا ريب عند الشيعة والمعتزلة، وجميع علماء المسلمين المحققين من سائر أهل المذاهب الإسلامية في تنزيه الصانع عن الجسمانية، وفي عدم جبر الإنسان في أفعاله جبرا يخرجه عن نطاق الاختيار، وفي عصمة الأنبياء."
وكلام الرجل صحيح فى التجسيم والاختيار واما فى عصمة الأنبياء (ص) أو غيرهم فالموجود فى محمد(ص) هو العصمة من أذى الناس وليس من ارتكاب الذنوب كما قال تعالى :
"والله يعصمك من الناس"
فالعصمة من الناس وليس من الذنب
وأما نصوص المصحف فمطبقة على ذنوب الأنبياء(ص) كما فى قوله لمحمد(ص)" واستغفر لذنبك" وقوله" إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
وطرح الرجل سؤالا فأجاب عنه فقال :
"هل يجب العمل بهذه النصوص؟
وبعد هذا: فهل يجب أو يجوز لنا أن نعمل بهذه الظواهر، وأن نعتقد بما نفهمه منها؟
وكيف يصح لنا ذلك مع إنكار العقول السليمة له؟
وما معنى ما اشتهر عند الفقهاء من أن كل ما حكم به الشرع حكم به العقل ولا عكس؟
وما هو المقصود من تلك الآيات والأحاديث؟
الجواب الإجمالي عن ذلك:
هو أن كل ما ورد من هذا النوع، يجب تأويله، و إرجاعه إلى جهة يقبلها العقل، وتساعد عليه قواعد الاستظهار، ولا يجوز الاعتقاد بهذه الظواهر، ولا الاستسلام لها، لأن الشرائع السماوية نفسها لا ترضى بذلك لأمور كثيرة:
منها: النصوص الكثيرة المخالفة لهذه الظواهر، وهي بعد وضوحها وظهورها واعتضادها بحكم العقل، تكون هي المعتمدة.
ومنها: أن الشريعة في أصولها الأولية، تعتمد على العقل، وتستند إليه، فكيف يمكن أن يكون فيها ما يخالفه! فإن العقل هو المدخل الأول، الذي نلج منه لمعرفة الله سبحانه، ولمعرفة وجه الحاجة إلى الأنبياء، ولمعرفة وجوب عصمتهم، ولوجوب تصديقهم والعمل بأوامرهم ونواهيهم، ولولا استقلال العقل بذلك كله، لاستحال علينا الاقتناع والإقناع بهذه الأمور عن طريق السمع، لما في ذلك من الدور الواضح، الذي يدركه كل من أوتي قليلا من العلم والمعرفة والإدراك."
الخطأ فى كلام الفقيه هو اعتماد الشريعة على العقل وهو قلب للحقيقة فوظيفة العقل هو تصديق الشرع والعمل به
الشريعة معتمدة على الصدق والعدل كما قال تعالى :
" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا"
والعقل لو كان يعرف الحق من الباطل وحده فما هى الحاجة أساسا للشريعة والرسل(ص) ؟
ثم قال مناقضا مقولته وهى اعتماد الشرع على العقل أنهما يسيران معا:
"هذا مضافا إلى النصوص الواردة عن أهل البيت الدالة على أن العقل يسير مع الشريعة والشريعة تسير معه.
ومنها: (أول ما خلق الله العقل ثم قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال سبحانه: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقا أحب إلي منك، بك أثيب وبك أعاقب!) "
وهذا الحديث مخالف للوحى فأول الخلق كان الماء كما قال تعالى :
"وجعلنا من الماء كل شىء حى"
ثم قال:
"ومنها: ما ورد عن الإمام الكاظم وفيه: (إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأما الباطنة فالعقول) فالحجة من داخل هي العقل، والحجة من خارج هو الرسول، فالعقل رسول داخلي، والرسول عقل خارجي وأما الجواب التفصيلي، فستعرفه فيما يأتي إنشاء الله تعالى."
هذا الحديث باطل فلا حجة للعقل وإنما الحجة هى رسالة الله للرسل (ص)كما قال :
"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "
وتحدث عن النوع الثانى من المخالفات وهى التخيلات فقال:
"النوع الثاني
الأخبار المروية في كتب الحديث، وكتب الفضائل، وقصص الأنبياء، والمرغبات، والمخوفات،
ولا سيما المروي منها في الكتب التي يؤلفها السذج والبسطاء من المؤمنين المتشبهين بالعلماء، فإن فيها من المبالغات والأمور البعيدة عن الوقوع ما لا يحصى، وقد يوجد شيء من ذلك في الكتب التي صنفها المحققون الأثبات.
نظير ما ورد في وصف سد يأجوج ومأجوج، وأنهم ما زالوا يلحسونه بألسنتهم كل ليلة حتى يصبح بحجم الورق، فإذا أعيوا قالوا: نتمه صباحا، فإذا ناموا وأصبحوا عاد كما كان
ومنها: أن أحدهم يفترش بإحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى
ومنها: القصص المتعلقة بـ (عوج بن عناق)
ومنها: ما وقع على أيدي الأولياء من الأمور العجيبة الغريبة إلى غير ذلك مما لا يحصيه أمثالنا.
فهل يجب علينا التصديق بذلك أو لا؟
والجواب: لا يجب التصديق، لأن هذه الأخبار كلها أخبار آحاد وهي ظنية السند، وهذا الصنف إذا كان مخالفا لحكم العقل، لا يجوز الاعتماد عليه، ولا الركون إليه، وإن كان رواته من الثقات، فضلا عما إذا كانوا من المجاهيل والضعفاء، فكيف إذا كان رواته كلهم من المجاهيل أو كان من المراسيل، وذلك لأن الدليل الدال على حجية خبر الواحد الموثوق به، مختص بخبر الواحد المتعلق بالأحكام الشرعية، كما هو المعروف في كتب الأصول، وأما أخبار الآحاد المتعلقة بأصول الدين وشؤونها وأخبار الآحاد المتعلقة بالموضوعات فهي باقية على أصالة عدم الحجية، وتبقى داخلة في عموم الآيات الكريمة، الناهية عن العمل بالظن، كقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} وكقوله تعالى {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} وكقوله تعالى {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}
ولا ريب أن خبر الواحد ليس علما، فيدخل في المنهي عنه بقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم}، ولا ريب أنه ظن، فيدخل في اتباع الظن المذموم في قوله تعالى {إن يتبعون إلا الظن}، وأوضح من ذلك كله أنه سبحانه جعل الظن مقابلا للحق في قوله {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}، ولا ريب أن ما يقابل الحق هو الباطل.
ويتحصل من ذلك كله، أن اتباع الظن إذا لم يقم على حجيته دليل خاص، يكون العمل به منهيا عنه، ويكون العامل به مذموما، ويكون العمل به من الباطل، هذا كله بالنسبة للأخبار."
وهذا الكلام صحيح من الفقيه فتلك الأحاديث مخالفة للوحى ويوجد بها تناقضات بين ألفاظها أو بينها وبين روايات أخرى
وتحدث عن الأحاديث المتواترة مطالبا بتصديقها فقال :
"وهذا كله بخلاف الآيات الكريمة، والأحاديث المتواترة، التي هي في معناها، فإنه يجب قبولها والاعتناء بها، وأخذها بعين الاعتبار، لأن القرآن الكريم مقطوع الصدور، والمتواتر مثله، فهما إذن شيء ثابت عن الله وعن رسوله، ومن أجل ذلك وعلى حسابه أسهبنا في هذا الموضوع، وسيتضح الحال فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى.
ويجب أن يعرف القارئ أن المتواتر المخالف لحكم العقل قليل الوجود، حتى إننا لا نكاد نعرف له مثلا فيما نحن فيه. وإنما هو مجرد فرض."
وهذا الكلام عن التواتر خبل فالأحاديث المتواترة قليلة جدا ولا يثبت التواتر أى شىء لأن الوحى نص على أن الثابت هو حكم الله وليس أحاديث الناس فقال :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
فالحكم بالمنزل والمتواتر لبس وحيا منزلا وإنما كلام بشر
والتواتر يثبت به الكذب كما يثبت به الصدق فنتيجة تواتر أحاديث القوم فى اتهام البرىء اجمعوا على أنه من ارتكب الجريمة حتى أنزل الله فى النبى(ص) والمؤمنين قرآنا ينهاهم عن تصديق الخير حيث قال :
"فلا تكن للخائنين خصيما"
وقال" "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيم ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
ثم تحدث عن القاعدة وأنها تحتاج للتوضيح فقال :
"قاعدة كل ما حكم به الشرع حكم به العقل، ولا عكس هذه القاعدة مشهورة بين الأصوليين والفقهاء، وهي قاعدة صحيحة، غير أنها مفتقرة إلى التوضيح، فنقول:
المستقلات العقلية
العقل له أحكام يستقل فيها، تسمى "المستقلات العقلية"، بعضها يرتبط بالدين، وبعضها لا علاقة للدين به.
أما ما لا علقة للدين به، فهو مثل حكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء، وبأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ... وما أشبه ذلك، وعدم ارتباطها بالدين واضح.
وأما ما له علاقة بالدين، فهو مثل حكمه بوجود الصانع، وبالحاجة إلى الأنبياء، وبوجوب عصمتهم، وبوجوب إطاعة أوامرهم ونواهيهم، وما أشبه ذلك، فإن هذه الأمور كلها من المستقلات العقلية، وهي أساس الأديان، ولا يمكن إثباتها من طريق السمع إلا على وجه دائر.
فإذا ورد الأمر بها في الشرع، كان أمرا بما أمر به العقل، ولكن أمر الشارع بها يكون أمرا إرشاديا لا مولويا، ومعنى ذلك أن الشارع يرشد المخاطبين إلى العمل بما حكم به العقل، ولا يمكن أن يكون مولويا إلا على وجه دائر، كما هو واضح عند أهل العلم.
ومن ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}
وقول تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}
وإنما كانت هذه الأوامر إرشادية، لأننا قبل الإيمان بالله ورسوله، وقبل الاعتقاد بعصمة الأنبياء ووجوب إطاعتهم، لا نستطيع التصديق بأن هذا الكلام صادر عن الله سبحانه، لأن الاعتقاد بصدوره عنه متوقف على الاعتراف بذلك كله بالضرورة,
وقد ظهر من هذا معنى قولهم (ولا عكس)، الراجع إلى قولنا: (وليس كل ما حكم به العقل حكم به الشرع).
هذا كله بالنسبة للأحكام العقلية."
وما قاله الرجل عن وجود أمور للعقل ليس للدين علاقة بها هو تكذيب لكون الدين فيها حكم كل المسائل وهو قوله تعالى:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ثم تحدث عن الأحكام الشرعية مناقضا كلامه فى أول الكتاب عن حكم العقل وفى وسطه عن مسايرة الشرع للعقل فقال ان العقل متبع للشرع:
"الأحكام الشرعية
وأما الأحكام الشرعية، فإنها بيد الشارع رفعا ووضعا، لا يشاركه في ذلك غيره، والعقل نفسه لا يتدخل فيها، لأنها ليست من شؤونه ولا من صلاحياته.
غاية الأمر، أن العقل هو الذي يلزم المخاطبين بها بإطاعتها، وبهذا اللحاظ يصح أن نقول: كل ما حكم به الشرع حكم به العقل، ويكون المقصود من حكم العقل به متابعته له فيما حكم به، وليس المقصود منه أن العقل يحكم على ذات الموضوع بحكم مماثل لحكم الشرع.
ولا يخفى أن العقل إنما يتبع الشرع إذا كان ما حكم به الشرع لا يناقض حكم العقل، فلو فرض -محالا- أن الشرع حكم بحكم يناقض حكم العقل لم يحكم العقل بوجوب اتباعه لأنه يكون قد خالف نفسه، ومن المعلوم أن أحكام العقل دائما تكون مبينة لا إجمال فيها ولا خفاء، لأنه لا يحكم إلا بعد إدراك مناطات حكمه إدراكا كاملا، ومن المعلوم أيضا أن الشريعة لا تحكم بحكم يناقض حكم العقل."
وتحدث عن كون العقل من الأدلة الأربعة فقال :
"وبهذا اللحاظ، كان العقل واحدا من الأدلة الأربعة، ولا يخفى أن جميع الأحكام الشرعية المعروفة ليس للعقل حكم واضح على خلافها، والناس عندما لا يدركون الحكمة منها، ولا يجدون من يقنعهم، يسمونها مخالفة للعقل، مثل ترخيص الرجل في الزواج بأكثر من واحدة، ومثل توريث الذكر أكثر من الأنثى في أكثر موارد الإرث.
ولكن هذا لا يسمى مخالفا لحكم العقل، لأن العقل ليس له في هذه الأمور أحكام يستقل فيها، نعم هي أحكام لم يدرك شطر من العقلاء وجه الحكمة فيها، ولكن المحققين قد أدركوا لها حكما كثيرة، وقد استعرضنا شطرا منها في كتاب فلسفة التشريع الإسلامي الذي هو جزء من كتابنا (حجر وطين).
ثم إن الشرع والعقل متفقان على اشتراط القدرة في التكليف، ولذا جعلها الفقهاء من الشروط العامة له، ويتفرع على ذلك اشتراط كون المخاطب بالتكليف قادرا، واشتراط كون ما خوطب به مقدورا، بمعنى كونه ممكنا، وذلك لاستحالة توجه إرادة العاقل إلى تحصيل الممتنع بالذات أو بالعرض، ولقبح تكليف العاجز"
وتحدث عن الاختلاف اللغوى فقال :
"دلالة الألفاظ على معانيها ظنية
إذا عرفت هذا فاعلم، أن دلالة الألفاظ الواردة في الجمل الكلامية على معانيها كلها ظنية، ما عدا النص (ويقصد به ما لا يحتمل الخلاف)، والنص قليل الوجود، بل أنكره المحققون حتى بالنسبة للأعلام الشخصية، وذلك لكثرة المجاز والحذف والاستعارات في اللغة العربية.
فإذا قال القائل: أمر الملك ببناء مدرسة، كان ظاهرا في صدور هذا الأمر من الملك نفسه، ولكن هذا الظهور لا يوجب الجزم اليقيني بذلك في نظر العقلاء، ولا سيما بعد كثرة تقرير الوزراء والخبراء وتخطيطهم بالنسبة للأمور المعهود بها إليهم ونسبتها للملك، هذا مضافا إلى أن الظهور بطبعه لا يفيد أكثر من الظن، لأن السامع يحتمل أن يكون الكلام مبنيا على حذف مضاف، تقديره: أمر وزير الملك، أو زوجته، أو من فوض ذلك إليه، ولذا قال النحويون: إذا قال القائل: جاء زيد، احتمل السامع أن يكون الجائي عبده أو رسوله، فإذا أكده بالنفس، وقال: جاء زيد نفسه، دل على أن الجائي هو نفسه، لا عبده ولا رسوله، وهذه أمور مفروغ عنها عند العارفين بأساليب اللغة، فضلا عن المتخصصين بها، المحيطين بأسرارها."
وهذا الكلام اللغوى هو السبب الأعظم فى احداث الخلاف بين الناس وتحدث عن حكم الظاهر المخالف للعقل وهو ليس فى القرآن وإنما كما سبق القول هو هوى النفس فى تصديق المعانى اللغوية دون تفسير القرآن ببعضه أو بتفسيره الإلهى وفى هذا قال :
"حكم الظاهر المخالف للعقل
بعد هذا كله نعود لما نحن بصدده، ونقول:
لا ريب في ظهور الألفاظ بدوا في معانيها التي وضعت لها، ولا ريب أن هذا الظهور لا يفيد أكثر من الظن، ولا ريب في استقرار طريقة العقلاء على الالتزام به، والعمل بمقتضاه، ولا ريب أن الشارع قد أقرهم على ذلك.
وإذا كان الدليل الذي دل على حجية ظاهر الأدلة الشرعية، هو استقرار طريقة العقلاء على الأخذ بظواهر الكلام، وتقرير الشارع لهم، وجب علينا -قبل كل شيء- أن نعود لطريقة العقلاء، ونأخذ بما يأخذون به من تلك الظواهر، ونعرض عما أعرضوا عنه.
ولا ريب أن العقلاء لا يرتبون آثار تلك الظواهر، ولا يأخذون بها إذا كانت غير معقولة.
وعلى هذا الضوء، يتأول جميع المفسرين، ويتبعهم العلماء والعقلاء وأرباب اللغة العربية، قوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون} ويقولون: المراد من القرية، بمقتضى دلالة الاقتضاء : أهلها مجازا، بعلاقة الحال والمحل، والمراد من العير أصحابها مجازا بعلاقة المالك والمملوك، أو أن الكلام فيهما مبني على حذف مضاف تقديره: واسأل أهل القرية وأصحاب العير.
وذلك، لأن حكم العقل بعدم قابليتهما للسؤال والجواب، يكون قرينة على أنهم لا يريدون سؤال نفس القرية ونفس العير، وبعد كونهم في مقام الاستشهاد على صحة دعواهم، فلا بد أن يكونوا قد أرادوا ما يصلح للشهادة، وليس هو في مثل المقام إلا أهل القرية وأصحاب العير.
وقد تحصل من هذا:
أن كلام الحكيم يحمل على ظاهره، ما لم يقترن بقرينة عقلية أو لفظية، أو مقامية، تدل على خلاف ذلك الظاهر، فإنه حينئذ يجب رفع اليد عن ذلك الظاهر.
ثم: إذا (كان هناك قرينة على خلاف الظاهر)، و كان ثمة قرينة أخرى تعين المراد، تعين، وإلا كان الكلام مجملا، لتعدد المعاني المجازية، وعدم قيام قرينة على تعيين إحداها.
والقول بتعين أقرب المجازات للمعنى الحقيقي، لا دليل عليه، لأن المدار على الظهور، والأقربية لا توجب الظهور، لأن الظهور نتيجة حاصلة من كثرة استعمال اللفظ في المعنى كثرة توجب فهم المخاطبين أو السامعين منه ذلك المعنى بمجرد سماعه.
وبعبارة ثانية: كثرة توجب أنس اللفظ بالمعنى وأنس المعنى باللفظ، حتى يصبحا كأنهما شيء (واحد)، ومن أجل ذلك يسري قبح المعنى وحسنه إلى اللفظ، كما هو المشاهد المحسوس، فلفظ "ورد" حسن، لأنه اسم لشيء حسن، ولفظ "القذر" قذر لأنه اسم لذات القذر.
ثم لا يخفى أن القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي تسمى قرينة معاندة، وإذا فهم منها المقصود كانت معينة أيضا، وإذا فهم من غيرها سمي ذلك الغير قرينة معينة، فالمجاز بطبعه ملزوم لقرينتين، إحداهما معاندة، وهي لازم غير مفارق، والأخرى معينة وهي لازم مفارق، ومن ثم قال علماء البيان: المجاز ملزوم لقرينتين: صارفة ومعينة، وقد تقوم قرينة واحدة بكلا الأمرين.
ومما لا ريب فيه عندهم، أن القرينة العقلية أقوى في الصارفية من غيرها، لأن القرينة العقلية بمنزلة النص في الوضوح والجلاء، بخلاف القرينة الكلامية والمقامية، لأنهما لا تخلوان من احتمال الخلاف.
ثم إنه لو فرض تساوي الظهورين في القرينة وذيها، كان الكلام مجملا، لأن المقصود من الكلام حينئذ غير واضح بنظر أهل المحاورة.
وقد قالوا: لا ينعقد للكلام ظهور ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام، كل ذلك مراعاة لاحتمال إتمام كلامه بكلام يكون قرينة دالة على خلاف ما يظهر من أوائل كلامه.
ألا ترى: إلى ظهور قول الملاك للفلاح: اقطع كل شجرة في البستان في إلزامه بقطع جميع ما فيه من الشجر، ولكن الفلاح إذا كان يعلم بأن مقصود المتكلم المحافظة على الشجر المثمر لشدة اعتناء الملاك فيه ومحافظته عليه، لم يجز له قطع الشجر المثمر! ولا الاحتجاج بقوله الأول (اقطع كل شجرة)، ومثل هذه القرينة تسمى قرينة مقامية، وتسمى لبية أيضا.
وأما إذا قال: اقطع كل شجرة في البستان لأنها مضرة بغيرها، فإن هذا الكلام يكون قرينة لفظية.
ومن هذا المثال يتضح لك: فعالية القرائن، في تطوير ظواهر الكلام، وتغيير اتجاهاته.
ولا يخفى أن البلغاء كانوا وما زالوا يتفاخرون بالإيجاز، وباستعمال المجازات والكنايات، والمبالغات المستملحة، وما نحن فيه منها، فكأن المتكلمين يقولون: نفس القرية والعير يشهدان بما نقول: مبالغة في وضوح المشهود به، على معنى أنها لو كانت تعقل وتنطق لشهدت بذلك، فحذف المضاف، والتجوز ليس مستحسنا للاختصار فقط، بل لما يحمله من مبالغة المدعي في وضوح دعواه
(3) القرينة العقلية هي عبارة عن أمر عقلي يمنع من الأخذ بالظاهر، كالمثال المتقدم حيث إنه يمتنع عقلا أن تشهد القرية أو العير (التحرير).
نتيجة البحث
إذا عرفت هذا، عرفت: أنه عندما يقوم الدليل العقلي على شيء، ويكون ظاهر الدليل اللفظي السمعي على خلافه، يكون الدليل العقلي قرينة على عدم إرادة ظاهر الدليل اللفظي، وحينئذ فإن ثبت له ظاهر آخر معقول تساعد عليه قواعد اللغة، وتشهد له ملابسات الكلام، على وجه يستقر له ظهور بنظر أهل المحاورة، حمل ذلك عليه، وعمل به، وإلا كان مجملا يجب الوقوف عنده"
وكل هذا الكلام الفلسفى واللغوى خاطىء تماما لأن المسألة متعلقة كما سبق القول بهوى النفس فلا وجود لمخالفة النص للعقل من حيث التجسيم وما شابه فكل جملة تفسر حسب السياق
المؤلف محمد تقي الفقيه وقد تحدث المؤلف عن النصوص وهو يقصد بها كتاب الله والأحاديث والنص وهو الوحى الإلهى لا يمكن أن يكون مخالفا للعقل وأصل المسألة :
ما يسمى بالفهم الخاطىء للكلام نتيجة اعتبارات كثيرة أهمها كتب اللغة القديمة وكله يدخل تحت تسمية اتباع الهوى
النص لا يوجد فيه شىء مخالف للعقل وإنما النفس تتبع هواها فى تفسير الكلمات حسب ما تريد من كتب اللغة أو من اختراعات النفس نفسها
الفقيه تحدث عن النوع الأول من المخالفات فقال:
"النوع الأول
وهو على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الآيات والأحاديث الظاهرة في تجسيم الصانع وتحديده.
الصنف الثاني: الآيات والأحاديث الظاهرة في كون الإنسان غير مختار في أفعاله.
الصنف الثالث: الآيات والأحاديث الظاهرة في صدور الذنوب والمعاصي من الأنبياء.
ولا ريب عند الشيعة والمعتزلة، وجميع علماء المسلمين المحققين من سائر أهل المذاهب الإسلامية في تنزيه الصانع عن الجسمانية، وفي عدم جبر الإنسان في أفعاله جبرا يخرجه عن نطاق الاختيار، وفي عصمة الأنبياء."
وكلام الرجل صحيح فى التجسيم والاختيار واما فى عصمة الأنبياء (ص) أو غيرهم فالموجود فى محمد(ص) هو العصمة من أذى الناس وليس من ارتكاب الذنوب كما قال تعالى :
"والله يعصمك من الناس"
فالعصمة من الناس وليس من الذنب
وأما نصوص المصحف فمطبقة على ذنوب الأنبياء(ص) كما فى قوله لمحمد(ص)" واستغفر لذنبك" وقوله" إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
وطرح الرجل سؤالا فأجاب عنه فقال :
"هل يجب العمل بهذه النصوص؟
وبعد هذا: فهل يجب أو يجوز لنا أن نعمل بهذه الظواهر، وأن نعتقد بما نفهمه منها؟
وكيف يصح لنا ذلك مع إنكار العقول السليمة له؟
وما معنى ما اشتهر عند الفقهاء من أن كل ما حكم به الشرع حكم به العقل ولا عكس؟
وما هو المقصود من تلك الآيات والأحاديث؟
الجواب الإجمالي عن ذلك:
هو أن كل ما ورد من هذا النوع، يجب تأويله، و إرجاعه إلى جهة يقبلها العقل، وتساعد عليه قواعد الاستظهار، ولا يجوز الاعتقاد بهذه الظواهر، ولا الاستسلام لها، لأن الشرائع السماوية نفسها لا ترضى بذلك لأمور كثيرة:
منها: النصوص الكثيرة المخالفة لهذه الظواهر، وهي بعد وضوحها وظهورها واعتضادها بحكم العقل، تكون هي المعتمدة.
ومنها: أن الشريعة في أصولها الأولية، تعتمد على العقل، وتستند إليه، فكيف يمكن أن يكون فيها ما يخالفه! فإن العقل هو المدخل الأول، الذي نلج منه لمعرفة الله سبحانه، ولمعرفة وجه الحاجة إلى الأنبياء، ولمعرفة وجوب عصمتهم، ولوجوب تصديقهم والعمل بأوامرهم ونواهيهم، ولولا استقلال العقل بذلك كله، لاستحال علينا الاقتناع والإقناع بهذه الأمور عن طريق السمع، لما في ذلك من الدور الواضح، الذي يدركه كل من أوتي قليلا من العلم والمعرفة والإدراك."
الخطأ فى كلام الفقيه هو اعتماد الشريعة على العقل وهو قلب للحقيقة فوظيفة العقل هو تصديق الشرع والعمل به
الشريعة معتمدة على الصدق والعدل كما قال تعالى :
" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا"
والعقل لو كان يعرف الحق من الباطل وحده فما هى الحاجة أساسا للشريعة والرسل(ص) ؟
ثم قال مناقضا مقولته وهى اعتماد الشرع على العقل أنهما يسيران معا:
"هذا مضافا إلى النصوص الواردة عن أهل البيت الدالة على أن العقل يسير مع الشريعة والشريعة تسير معه.
ومنها: (أول ما خلق الله العقل ثم قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال سبحانه: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقا أحب إلي منك، بك أثيب وبك أعاقب!) "
وهذا الحديث مخالف للوحى فأول الخلق كان الماء كما قال تعالى :
"وجعلنا من الماء كل شىء حى"
ثم قال:
"ومنها: ما ورد عن الإمام الكاظم وفيه: (إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأما الباطنة فالعقول) فالحجة من داخل هي العقل، والحجة من خارج هو الرسول، فالعقل رسول داخلي، والرسول عقل خارجي وأما الجواب التفصيلي، فستعرفه فيما يأتي إنشاء الله تعالى."
هذا الحديث باطل فلا حجة للعقل وإنما الحجة هى رسالة الله للرسل (ص)كما قال :
"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "
وتحدث عن النوع الثانى من المخالفات وهى التخيلات فقال:
"النوع الثاني
الأخبار المروية في كتب الحديث، وكتب الفضائل، وقصص الأنبياء، والمرغبات، والمخوفات،
ولا سيما المروي منها في الكتب التي يؤلفها السذج والبسطاء من المؤمنين المتشبهين بالعلماء، فإن فيها من المبالغات والأمور البعيدة عن الوقوع ما لا يحصى، وقد يوجد شيء من ذلك في الكتب التي صنفها المحققون الأثبات.
نظير ما ورد في وصف سد يأجوج ومأجوج، وأنهم ما زالوا يلحسونه بألسنتهم كل ليلة حتى يصبح بحجم الورق، فإذا أعيوا قالوا: نتمه صباحا، فإذا ناموا وأصبحوا عاد كما كان
ومنها: أن أحدهم يفترش بإحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى
ومنها: القصص المتعلقة بـ (عوج بن عناق)
ومنها: ما وقع على أيدي الأولياء من الأمور العجيبة الغريبة إلى غير ذلك مما لا يحصيه أمثالنا.
فهل يجب علينا التصديق بذلك أو لا؟
والجواب: لا يجب التصديق، لأن هذه الأخبار كلها أخبار آحاد وهي ظنية السند، وهذا الصنف إذا كان مخالفا لحكم العقل، لا يجوز الاعتماد عليه، ولا الركون إليه، وإن كان رواته من الثقات، فضلا عما إذا كانوا من المجاهيل والضعفاء، فكيف إذا كان رواته كلهم من المجاهيل أو كان من المراسيل، وذلك لأن الدليل الدال على حجية خبر الواحد الموثوق به، مختص بخبر الواحد المتعلق بالأحكام الشرعية، كما هو المعروف في كتب الأصول، وأما أخبار الآحاد المتعلقة بأصول الدين وشؤونها وأخبار الآحاد المتعلقة بالموضوعات فهي باقية على أصالة عدم الحجية، وتبقى داخلة في عموم الآيات الكريمة، الناهية عن العمل بالظن، كقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} وكقوله تعالى {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} وكقوله تعالى {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}
ولا ريب أن خبر الواحد ليس علما، فيدخل في المنهي عنه بقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم}، ولا ريب أنه ظن، فيدخل في اتباع الظن المذموم في قوله تعالى {إن يتبعون إلا الظن}، وأوضح من ذلك كله أنه سبحانه جعل الظن مقابلا للحق في قوله {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}، ولا ريب أن ما يقابل الحق هو الباطل.
ويتحصل من ذلك كله، أن اتباع الظن إذا لم يقم على حجيته دليل خاص، يكون العمل به منهيا عنه، ويكون العامل به مذموما، ويكون العمل به من الباطل، هذا كله بالنسبة للأخبار."
وهذا الكلام صحيح من الفقيه فتلك الأحاديث مخالفة للوحى ويوجد بها تناقضات بين ألفاظها أو بينها وبين روايات أخرى
وتحدث عن الأحاديث المتواترة مطالبا بتصديقها فقال :
"وهذا كله بخلاف الآيات الكريمة، والأحاديث المتواترة، التي هي في معناها، فإنه يجب قبولها والاعتناء بها، وأخذها بعين الاعتبار، لأن القرآن الكريم مقطوع الصدور، والمتواتر مثله، فهما إذن شيء ثابت عن الله وعن رسوله، ومن أجل ذلك وعلى حسابه أسهبنا في هذا الموضوع، وسيتضح الحال فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى.
ويجب أن يعرف القارئ أن المتواتر المخالف لحكم العقل قليل الوجود، حتى إننا لا نكاد نعرف له مثلا فيما نحن فيه. وإنما هو مجرد فرض."
وهذا الكلام عن التواتر خبل فالأحاديث المتواترة قليلة جدا ولا يثبت التواتر أى شىء لأن الوحى نص على أن الثابت هو حكم الله وليس أحاديث الناس فقال :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
فالحكم بالمنزل والمتواتر لبس وحيا منزلا وإنما كلام بشر
والتواتر يثبت به الكذب كما يثبت به الصدق فنتيجة تواتر أحاديث القوم فى اتهام البرىء اجمعوا على أنه من ارتكب الجريمة حتى أنزل الله فى النبى(ص) والمؤمنين قرآنا ينهاهم عن تصديق الخير حيث قال :
"فلا تكن للخائنين خصيما"
وقال" "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيم ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
ثم تحدث عن القاعدة وأنها تحتاج للتوضيح فقال :
"قاعدة كل ما حكم به الشرع حكم به العقل، ولا عكس هذه القاعدة مشهورة بين الأصوليين والفقهاء، وهي قاعدة صحيحة، غير أنها مفتقرة إلى التوضيح، فنقول:
المستقلات العقلية
العقل له أحكام يستقل فيها، تسمى "المستقلات العقلية"، بعضها يرتبط بالدين، وبعضها لا علاقة للدين به.
أما ما لا علقة للدين به، فهو مثل حكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء، وبأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ... وما أشبه ذلك، وعدم ارتباطها بالدين واضح.
وأما ما له علاقة بالدين، فهو مثل حكمه بوجود الصانع، وبالحاجة إلى الأنبياء، وبوجوب عصمتهم، وبوجوب إطاعة أوامرهم ونواهيهم، وما أشبه ذلك، فإن هذه الأمور كلها من المستقلات العقلية، وهي أساس الأديان، ولا يمكن إثباتها من طريق السمع إلا على وجه دائر.
فإذا ورد الأمر بها في الشرع، كان أمرا بما أمر به العقل، ولكن أمر الشارع بها يكون أمرا إرشاديا لا مولويا، ومعنى ذلك أن الشارع يرشد المخاطبين إلى العمل بما حكم به العقل، ولا يمكن أن يكون مولويا إلا على وجه دائر، كما هو واضح عند أهل العلم.
ومن ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}
وقول تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}
وإنما كانت هذه الأوامر إرشادية، لأننا قبل الإيمان بالله ورسوله، وقبل الاعتقاد بعصمة الأنبياء ووجوب إطاعتهم، لا نستطيع التصديق بأن هذا الكلام صادر عن الله سبحانه، لأن الاعتقاد بصدوره عنه متوقف على الاعتراف بذلك كله بالضرورة,
وقد ظهر من هذا معنى قولهم (ولا عكس)، الراجع إلى قولنا: (وليس كل ما حكم به العقل حكم به الشرع).
هذا كله بالنسبة للأحكام العقلية."
وما قاله الرجل عن وجود أمور للعقل ليس للدين علاقة بها هو تكذيب لكون الدين فيها حكم كل المسائل وهو قوله تعالى:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ثم تحدث عن الأحكام الشرعية مناقضا كلامه فى أول الكتاب عن حكم العقل وفى وسطه عن مسايرة الشرع للعقل فقال ان العقل متبع للشرع:
"الأحكام الشرعية
وأما الأحكام الشرعية، فإنها بيد الشارع رفعا ووضعا، لا يشاركه في ذلك غيره، والعقل نفسه لا يتدخل فيها، لأنها ليست من شؤونه ولا من صلاحياته.
غاية الأمر، أن العقل هو الذي يلزم المخاطبين بها بإطاعتها، وبهذا اللحاظ يصح أن نقول: كل ما حكم به الشرع حكم به العقل، ويكون المقصود من حكم العقل به متابعته له فيما حكم به، وليس المقصود منه أن العقل يحكم على ذات الموضوع بحكم مماثل لحكم الشرع.
ولا يخفى أن العقل إنما يتبع الشرع إذا كان ما حكم به الشرع لا يناقض حكم العقل، فلو فرض -محالا- أن الشرع حكم بحكم يناقض حكم العقل لم يحكم العقل بوجوب اتباعه لأنه يكون قد خالف نفسه، ومن المعلوم أن أحكام العقل دائما تكون مبينة لا إجمال فيها ولا خفاء، لأنه لا يحكم إلا بعد إدراك مناطات حكمه إدراكا كاملا، ومن المعلوم أيضا أن الشريعة لا تحكم بحكم يناقض حكم العقل."
وتحدث عن كون العقل من الأدلة الأربعة فقال :
"وبهذا اللحاظ، كان العقل واحدا من الأدلة الأربعة، ولا يخفى أن جميع الأحكام الشرعية المعروفة ليس للعقل حكم واضح على خلافها، والناس عندما لا يدركون الحكمة منها، ولا يجدون من يقنعهم، يسمونها مخالفة للعقل، مثل ترخيص الرجل في الزواج بأكثر من واحدة، ومثل توريث الذكر أكثر من الأنثى في أكثر موارد الإرث.
ولكن هذا لا يسمى مخالفا لحكم العقل، لأن العقل ليس له في هذه الأمور أحكام يستقل فيها، نعم هي أحكام لم يدرك شطر من العقلاء وجه الحكمة فيها، ولكن المحققين قد أدركوا لها حكما كثيرة، وقد استعرضنا شطرا منها في كتاب فلسفة التشريع الإسلامي الذي هو جزء من كتابنا (حجر وطين).
ثم إن الشرع والعقل متفقان على اشتراط القدرة في التكليف، ولذا جعلها الفقهاء من الشروط العامة له، ويتفرع على ذلك اشتراط كون المخاطب بالتكليف قادرا، واشتراط كون ما خوطب به مقدورا، بمعنى كونه ممكنا، وذلك لاستحالة توجه إرادة العاقل إلى تحصيل الممتنع بالذات أو بالعرض، ولقبح تكليف العاجز"
وتحدث عن الاختلاف اللغوى فقال :
"دلالة الألفاظ على معانيها ظنية
إذا عرفت هذا فاعلم، أن دلالة الألفاظ الواردة في الجمل الكلامية على معانيها كلها ظنية، ما عدا النص (ويقصد به ما لا يحتمل الخلاف)، والنص قليل الوجود، بل أنكره المحققون حتى بالنسبة للأعلام الشخصية، وذلك لكثرة المجاز والحذف والاستعارات في اللغة العربية.
فإذا قال القائل: أمر الملك ببناء مدرسة، كان ظاهرا في صدور هذا الأمر من الملك نفسه، ولكن هذا الظهور لا يوجب الجزم اليقيني بذلك في نظر العقلاء، ولا سيما بعد كثرة تقرير الوزراء والخبراء وتخطيطهم بالنسبة للأمور المعهود بها إليهم ونسبتها للملك، هذا مضافا إلى أن الظهور بطبعه لا يفيد أكثر من الظن، لأن السامع يحتمل أن يكون الكلام مبنيا على حذف مضاف، تقديره: أمر وزير الملك، أو زوجته، أو من فوض ذلك إليه، ولذا قال النحويون: إذا قال القائل: جاء زيد، احتمل السامع أن يكون الجائي عبده أو رسوله، فإذا أكده بالنفس، وقال: جاء زيد نفسه، دل على أن الجائي هو نفسه، لا عبده ولا رسوله، وهذه أمور مفروغ عنها عند العارفين بأساليب اللغة، فضلا عن المتخصصين بها، المحيطين بأسرارها."
وهذا الكلام اللغوى هو السبب الأعظم فى احداث الخلاف بين الناس وتحدث عن حكم الظاهر المخالف للعقل وهو ليس فى القرآن وإنما كما سبق القول هو هوى النفس فى تصديق المعانى اللغوية دون تفسير القرآن ببعضه أو بتفسيره الإلهى وفى هذا قال :
"حكم الظاهر المخالف للعقل
بعد هذا كله نعود لما نحن بصدده، ونقول:
لا ريب في ظهور الألفاظ بدوا في معانيها التي وضعت لها، ولا ريب أن هذا الظهور لا يفيد أكثر من الظن، ولا ريب في استقرار طريقة العقلاء على الالتزام به، والعمل بمقتضاه، ولا ريب أن الشارع قد أقرهم على ذلك.
وإذا كان الدليل الذي دل على حجية ظاهر الأدلة الشرعية، هو استقرار طريقة العقلاء على الأخذ بظواهر الكلام، وتقرير الشارع لهم، وجب علينا -قبل كل شيء- أن نعود لطريقة العقلاء، ونأخذ بما يأخذون به من تلك الظواهر، ونعرض عما أعرضوا عنه.
ولا ريب أن العقلاء لا يرتبون آثار تلك الظواهر، ولا يأخذون بها إذا كانت غير معقولة.
وعلى هذا الضوء، يتأول جميع المفسرين، ويتبعهم العلماء والعقلاء وأرباب اللغة العربية، قوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون} ويقولون: المراد من القرية، بمقتضى دلالة الاقتضاء : أهلها مجازا، بعلاقة الحال والمحل، والمراد من العير أصحابها مجازا بعلاقة المالك والمملوك، أو أن الكلام فيهما مبني على حذف مضاف تقديره: واسأل أهل القرية وأصحاب العير.
وذلك، لأن حكم العقل بعدم قابليتهما للسؤال والجواب، يكون قرينة على أنهم لا يريدون سؤال نفس القرية ونفس العير، وبعد كونهم في مقام الاستشهاد على صحة دعواهم، فلا بد أن يكونوا قد أرادوا ما يصلح للشهادة، وليس هو في مثل المقام إلا أهل القرية وأصحاب العير.
وقد تحصل من هذا:
أن كلام الحكيم يحمل على ظاهره، ما لم يقترن بقرينة عقلية أو لفظية، أو مقامية، تدل على خلاف ذلك الظاهر، فإنه حينئذ يجب رفع اليد عن ذلك الظاهر.
ثم: إذا (كان هناك قرينة على خلاف الظاهر)، و كان ثمة قرينة أخرى تعين المراد، تعين، وإلا كان الكلام مجملا، لتعدد المعاني المجازية، وعدم قيام قرينة على تعيين إحداها.
والقول بتعين أقرب المجازات للمعنى الحقيقي، لا دليل عليه، لأن المدار على الظهور، والأقربية لا توجب الظهور، لأن الظهور نتيجة حاصلة من كثرة استعمال اللفظ في المعنى كثرة توجب فهم المخاطبين أو السامعين منه ذلك المعنى بمجرد سماعه.
وبعبارة ثانية: كثرة توجب أنس اللفظ بالمعنى وأنس المعنى باللفظ، حتى يصبحا كأنهما شيء (واحد)، ومن أجل ذلك يسري قبح المعنى وحسنه إلى اللفظ، كما هو المشاهد المحسوس، فلفظ "ورد" حسن، لأنه اسم لشيء حسن، ولفظ "القذر" قذر لأنه اسم لذات القذر.
ثم لا يخفى أن القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي تسمى قرينة معاندة، وإذا فهم منها المقصود كانت معينة أيضا، وإذا فهم من غيرها سمي ذلك الغير قرينة معينة، فالمجاز بطبعه ملزوم لقرينتين، إحداهما معاندة، وهي لازم غير مفارق، والأخرى معينة وهي لازم مفارق، ومن ثم قال علماء البيان: المجاز ملزوم لقرينتين: صارفة ومعينة، وقد تقوم قرينة واحدة بكلا الأمرين.
ومما لا ريب فيه عندهم، أن القرينة العقلية أقوى في الصارفية من غيرها، لأن القرينة العقلية بمنزلة النص في الوضوح والجلاء، بخلاف القرينة الكلامية والمقامية، لأنهما لا تخلوان من احتمال الخلاف.
ثم إنه لو فرض تساوي الظهورين في القرينة وذيها، كان الكلام مجملا، لأن المقصود من الكلام حينئذ غير واضح بنظر أهل المحاورة.
وقد قالوا: لا ينعقد للكلام ظهور ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام، كل ذلك مراعاة لاحتمال إتمام كلامه بكلام يكون قرينة دالة على خلاف ما يظهر من أوائل كلامه.
ألا ترى: إلى ظهور قول الملاك للفلاح: اقطع كل شجرة في البستان في إلزامه بقطع جميع ما فيه من الشجر، ولكن الفلاح إذا كان يعلم بأن مقصود المتكلم المحافظة على الشجر المثمر لشدة اعتناء الملاك فيه ومحافظته عليه، لم يجز له قطع الشجر المثمر! ولا الاحتجاج بقوله الأول (اقطع كل شجرة)، ومثل هذه القرينة تسمى قرينة مقامية، وتسمى لبية أيضا.
وأما إذا قال: اقطع كل شجرة في البستان لأنها مضرة بغيرها، فإن هذا الكلام يكون قرينة لفظية.
ومن هذا المثال يتضح لك: فعالية القرائن، في تطوير ظواهر الكلام، وتغيير اتجاهاته.
ولا يخفى أن البلغاء كانوا وما زالوا يتفاخرون بالإيجاز، وباستعمال المجازات والكنايات، والمبالغات المستملحة، وما نحن فيه منها، فكأن المتكلمين يقولون: نفس القرية والعير يشهدان بما نقول: مبالغة في وضوح المشهود به، على معنى أنها لو كانت تعقل وتنطق لشهدت بذلك، فحذف المضاف، والتجوز ليس مستحسنا للاختصار فقط، بل لما يحمله من مبالغة المدعي في وضوح دعواه
(3) القرينة العقلية هي عبارة عن أمر عقلي يمنع من الأخذ بالظاهر، كالمثال المتقدم حيث إنه يمتنع عقلا أن تشهد القرية أو العير (التحرير).
نتيجة البحث
إذا عرفت هذا، عرفت: أنه عندما يقوم الدليل العقلي على شيء، ويكون ظاهر الدليل اللفظي السمعي على خلافه، يكون الدليل العقلي قرينة على عدم إرادة ظاهر الدليل اللفظي، وحينئذ فإن ثبت له ظاهر آخر معقول تساعد عليه قواعد اللغة، وتشهد له ملابسات الكلام، على وجه يستقر له ظهور بنظر أهل المحاورة، حمل ذلك عليه، وعمل به، وإلا كان مجملا يجب الوقوف عنده"
وكل هذا الكلام الفلسفى واللغوى خاطىء تماما لأن المسألة متعلقة كما سبق القول بهوى النفس فلا وجود لمخالفة النص للعقل من حيث التجسيم وما شابه فكل جملة تفسر حسب السياق
رضا البطاوى- المساهمات : 1545
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى