نقد كتاب إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
نقد كتاب إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن - تخريجا وشرحا
مؤلف الكتاب إبراهيم بن عبد الله المديهش وهو يدور حول تخريج رواية إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وشرحها
الرواية لا أساس لها كحديث عن النبى(ص) فلا يوجد رواية مسندة تنسب القول للنبى (ص) وتوجد روايات متناقضة تنسبها أشخاص متعددين كعثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز والحسن البصرى وعمر بن الخطاب وفى هذا قال المؤلف:
"فمن الآثار المشتهرة على الألسنة «إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن»وإليك تخريجه، وألفاظه، وبيان معناه"
التخريج
"روي عن النبي (ص)ـ ولم أجده مسندا ـ، وروي عن عمر، وعثمان، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وذكر بأنه من قول أهل العلم والتجربة، والحكماء
بيان ذلك :
"1 ـ روي عن النبي (ص)ولم أجده مسندا قال ذلك الماوردي (ت 450 هـ) في «أدب الدنيا والدين» (ص 135) قال وروي عنه (ص)أنه قال «إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن»
وقال عدد من العلماء وفي الحديث، منهم ابن السكيت (ت 244 هـ) في «إصلاح المنطق» (ص 185) قال (ويقال وزعته أزعه وزعا، إذا كففته, وقال الأصمعي وجاء في الحديث «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن» , ويقال لا بد للناس من وزعة، أي من كففة)وابن قتيبة (ت 276 هـ) في «أدب الكاتب» (ص 346) قال (و «وزعت الناقة» كففتها، وجاء في الحديث «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن»، ومنه الوازع في الجيش، ولا بد للناس من «وزعة» أي من سلطان يكفهم) ومثله الهروي (ت 401 هـ) في «الغريبين» (6/ 1995)، وعلق عليه بقوله (أراد من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يزع القرآن يكفه خوف الله تعالى)
والطرطوشي (ت 520 هـ) في «سراج الملوك» (ص 61) ولفظه (إن الله تعالى ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن) قال معناه يدفع
ونشوان الحميري (ت 573 هـ) في «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم» (11/ 7151)، والمنجى بن عثمان التنوخي الحنبلي (ت 695 هـ) في «الممتع في شرح المقنع» (2/ 295) كلاهما بمثل لفظ الطرطوشيوابن كثير (ت 774 هـ) في «تفسيره» (5/ 111) قال (وفي الحديث «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع)
قلت يحتمل أنه يريد بالحديث الموقوف لا المرفوع
وابن الأزرق الأصبحي الأندلسي (ت 896 هـ) في «بدائع السلك في طبائع الملك» (1/ 107) قال (الحكمة الرابعة إنه يدفع بتخويفه وتهديده مالا يدفع بالقرآن بتكرار وعظه وترديده في الحديث «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن» وقال الطرطوشي معناه ليدفع قلت وذلك لما في الطباع البشرية من العدوان والاستعصاء عن الطاعة ومن ثم قال ابن المبارك
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
والزبيدي في «تاج العروس» (22/ 318)، ولفظه وفي الحديث «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن» أي من يكف عن ارتكاب الجرائم مخافة السلطان أكثر ممن تكفه مخافة القرآن
2 ــ روي عن عمر بن الخطاب
قال الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (5/ 172) أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال أخبرنا أحمد بن الحسين الهمذاني أبو حامد، قال حدثنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم، قال حدثنا جدي محمد، قال حدثنا الهيثم بن عدي، قال حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال سمعت عمر بن الخطاب، يقول «لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن»الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي، كذاب ونسبه لعمر أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) في «عمدة الكتاب» (ص 117)، ولفظه «لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن»وابن الطقطقي (ت 709 هـ) في «الفخري في الآداب السلطانية» (ص 61) بلفظ «يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن» قالوا لأن الناس يخافون من عواجل العقوبة أشد مما يخافون من آجلها
3 ــ روي عن عثمان بن عفان
أخرجه ابن شبة (ت 262 هـ) في «تاريخ المدينة» (3/ 988) ـ ط شلتوت ـ، و (2/ 115) رقم (1704) ـ ط دارالكتب العلمية ـ قال حدثنا موسى بن إسماعيل، قال حدثنا حماد، قال حدثنا يحيى بن سعيد أن عثمان قال «لما يزع السلطان الناس أشد مما يزعهم القرآن»
وأخرجه رزين من طريق يحيى بن سعيد كما في جامع الأصول» لابن الأثير (4/ 83) رقم (2071)حماد هو ابن سلمة، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو منقطع، يحيى لم يدرك عثمان، وقال ابن المديني لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس انظر «تهذيب الكمال» (31/ 358)وله طريق آخر أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» (1/ 118) قال أخبرنا إبراهيم بن شاكر، قال حدثنا محمد بن إسحاق القاضي، قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ الإمام بمصر، قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، قال حدثنا ابن القاسم، قال حدثنا مالك أن عثمان بن عفان كان يقول «ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن» أي من الناس قال قلت لمالك ما يزع؟ قال يكف وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب «المعرفة» له، قال حدثنا عفان قال أخبرنا إسماعيل يعني ابن علية عن ابن عون قال سمعت الحسن ــ وهو في مجلس قضائه فلما رأى ما يصنع الناس ــ قال والله ما يصلح هؤلاء الناس إلا وزعة قال إسماعيل يزعونهم أي يمنعونهم إلخقلت وهذا منقطع ـ أيضا ـ، ومثل هذه الأخبار يحتمل فيها مثل هذه العلل، فتقبل، لعدم تعلقها بحكم شرعي، خاصة مع صحة معناه، وتتابع العلماء على نسبة هذه المقولة لعثمان
نسبه إلى عثمان الآبي في «نثر الدر» (2/ 44)، والثعالبي في عدد من كتبه «الإعجاز والإيجاز» (ص 34)، وفي «التمثيل والمحاضرة» (ص 29)، و «اللطائف والظرائف» (ص 27)
والماوردي في «تفسيره» (4/ 199) ولفظه «ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن»والحصري في «زهر الآداب» (1/ 75)، والميداني (ت 518 هـ) في «مجمع الأمثال» (2/ 453)، والزمخشري في «ربيع الأبرار» (5/ 185)، والسمعاني في «تفسيره» (ت 489 هـ) (4/ 84)، واليفرني (ت 625 هـ) في «الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب» (1/ 467)، وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (11/ 416)، وعنه ابن القيم في «الطرق الحكمية» (2/ 683)، والنويري في «نهاية الأرب» (3/ 6)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (2/ 301)، وغيرهم كثيرذكره الغزي العامري (ت 1143 هـ) في «الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث» (ص 60) رقم (57) وقال (جاء عن عثمان موقوفا، ونحوه عن عمر موقوف) ونسبته إلى عثمان بن عفان هو الأكثر في كتب التراث قال ابن رشد (ت 520 هـ) في «البيان والتحصيل» (17/ 59) (قال مالك بلغني أن عثمان بن عفان قال ما يزع الإمام الناس أكثر مما يزعهم القرآن، قال يزعهم يكفهم قال محمد بن رشد المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر الله، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا، ولا اختلاف بين الأمة في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام وقال ابن رشد في موضع آخر (18/ 494) (وقال مالك قال العبد الصالح عثمان بن عفان ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، يعني ما يكف الناس عنه بالحدود قال محمد بن رشد تفسير مالك لقول عثمان صحيح، والمعنى فيه أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الله مخافة السلطان أكثر من الذين ينتهون عنها انتهاء لأمر الله عز وجل، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا ولا اختلاف بين أحد من العلماء في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام)
قال ابن العربي (ت 543 هـ) في «أحكام القرآن» ـ ط الكتب العلمية ـ (3/ 474) (روى أشهب قال قال مالك بن أنس قال عثمان ما يزع الناس السلطان أكثر مما يزعهم القرآن قال مالك يعني يكفهم قال ابن وهب مثله، وزاد ثم تلا مالك {فهم يوزعون} [النمل 17] أي يكفون وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام، فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن وهذا جهل بالله وحكمه وحكمته ووضعه لخلقه، فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة بقوام الحق، لا زيادة عليها ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية منها، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها؛ فلذلك لم يرتدع الخلق بها ولو حكموا بالعدل؛ وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور، وصلح الجمهور؛ وقد شاهدتم منا إقامة العدل والقضاء والحمد لله بالحق، والكف للناس بالقسط، وانتشرت الأمنة، وعظمت المنعة، واتصلت في البيضة الهدنة، حتى غلب قضاء الله بفساد الحسدة، واستيلاء الظلمة)
وقال ابن العربي ـ أيضا ـ في «أحكام القرآن» (2/ 208) (ولقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالرياسة للسياسة والملك لنفي الملك، وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية من كون الناس فوضى لحظة واحدة، فأنشأ الله الخليقة لهذه الفائدة والمصلحة على الملوك والخلفاء، كلما بان خليفة خلفه آخر، وكلما هلك ملك ملك بعده غيره؛ ليستتب به التدبير، وتجري على مقتضى رأيه الأمور، ويكف الله سبحانه به عادية الجمهور إلخ
4 ــ روي عن عمر بن عبدالعزيز ذكر ذلك الشوكاني في رسالته «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين» (ص 79) =
«الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني» (9/ 4676) قال (ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فإنه قال «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» قلت وأخشى أن يكون نسبته إلى عمر بن عبدالعزيز وهما ـ والله أعلم ـ
5 ــ روي عن الحسن البصري - رحمه الله -
ذكره أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت 542 هـ) في «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» (1/ 477) قال قول الحسن بن أبي الحسن البصري «يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»
6 ــ قيل وفي الأثر ـــ ولم ينسب لأحد ـــ
ذكره السرخسي (ت 483 هـ) في «شرح السير الكبير» (ص 169)
وكذا في «المبدع في شرح المقنع» (3/ 311)، و «كشاف القناع» (3/ 68)نسب إلى أهل العلم، والحكماء
قال الجاحظ (ت 255 هـ) كما في «رسائله» (1/ 313) (وقد قال أهل العلم، وأهل التجربة والفهم «لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن» وقد كان يقال شيئان متباينان، إن صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية فقد صلح السلطان، وعلى الله تمام النعمة في صلاح الرعية، حتى يحقق الأثر، وتصدق الشهادة في الخبر)قال ابن عبدربه (ت 328 هـ) في «العقد» (1/ 9) (قالت الحكماء إمام عادل، خير من مطر وابل وإمام غشوم، خير من فتنة تدوم ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن)قال ابن فارس (ت 395 هـ) في «مقاييس اللغة» (6/ 106) (وفي بعض الكلام «ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن»، أي إن الناس للسلطان أخوف)
8 ــ ذكره دون عزو لأحد
الجويني (ت 478 هـ) في «غياث الأمم في التياث الظلم» (ص 24)
قال المبرد (ت 285 هـ) في «الكامل في اللغة والأدب» (1/ 214) (وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه إذا وليتم فلينوا للمحسن، واشتدوا على المريب، فإن الناس للسلطان أهيب منهم للقرآن وقال عثمان بن عفان إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن قوله «يزع» أي يكف، يقال وزع يزع إذا كف، وكان أصله «يزع» مثل يعد فذهبت الواو لوقوعها بين ياء وكره واتبعت حروف المضارع الياء لئلا يختلف الباب، وهي الهمزة، والنون، والتاء، والياء نحو أعد ونعد، وتعد، ويعد، ولكن انفتحت في «يزع» من أجل العين لأن حروف الحلق إذا كن في موضع عين الفعل أو لامه فتحن في الفعل الذي ماضيه «فعل»، وإن وقعت الواو مما هي فيه فاء في «يفعل» المفتوحة العين في الأصل صح الفعل، نحو وحل يوحل، ووجل يوجل، ويجوز في هذه المفتوحة ياحل وياجل وييحل وييجل، وكل هذا كراهية للواو بعد الياء، تقول وزعته كففته، وأوزعته حملته على ركوب الشيء وهيأته له، وهو من الله عز وجل توفيق، ويقال أوزعك الله شكره، أي وفقك له وقال الحسن مرة ما حاجة هؤلاء السلاطين إلى الشرط فلما ولي القضاء كثر عليه الناس، فقال لا بد للسلاطين من وزعة)قال أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) في «معاني القرآن» (5/ 120) (أصل وزعته كففته ومنه لا بد للناس من وزعة ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن)وقال أيضا (6/ 257) (يقال وزعه يزعه ويزعه إذا كفه ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ومنه لا بد للناس من وزعة) قال الخوارزمي (ت 383 هـ) في الكتاب المنسوب إليه «مفيد العلوم ومبيد الهموم» (ص 407) الباب الأول في بيان حاجة الإنسان إلى السلطان
اعلم أن السلطنة والإمامة من مهمات الدين، وقد يتعين في رجل فيتقدم على نوافل العبادات، فبقاء الدنيا ونظام الدين بالسلطان، فما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن، ولله حارسان في الأرض وفي السماء، يحرسان الخلائق فحارسه في السماء الملائكة وحارسه في الأرض الملوك! وسر هذا أن الآدمي جبل مدني الطبع بلدي المأوى لا بد له من مطعم إلخ
قال السمعاني في «تفسيره» (ت 489 هـ) (4/ 84) (ومعناه ما يمتنع الناس منه خوفا من السلطان أكثر مما يمتنع الناس منه خوفا من القرآن)قال ابن الأثير (ت 606 هـ) في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (5/ 180)، وفي ط الخراط (9/ 4401) («وزع»
(هـ) فيه «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن» أي من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يكفه مخافة القرآن والله تعالى
يقال وزعه يزعه وزعا فهو وازع، إذا كفه ومنعه إلخ قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» (11/ 416) ( ولكن في بعض فوائد العقوبات المشروعة في الدنيا ضبط العوام كما قال عثمان بن عفان «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فإن من يكون من المنافقين والفجار فإنه ينزجر بما يشاهده من العقوبات وينضبط عن انتهاك المحرمات فهذا بعض فوائد العقوبات السلطانية المشروعة
وقال أيضا كما في «مجموع الفتاوى» (28/ 107) وعنه ابن القيم في «الطرق الحكمية» (2/ 683) (فصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات) قال الشاطبي (ت 790 هـ) في «الاعتصام» (1/ 293) ( لأن الإعذار والإنذار الأخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس، بخلاف الدنيوي، ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن، فالمبتدع إذا لم ينتهض لإجابة دعوته بمجرد الإعذار والإنذار الذي يعظ به، حاول الانتهاض بأولي الأمر، ليكون ذلك أحرى بالإجابة)
ذكر الشيخ ابن باز كما في «فتاويه» (1/ 129) (وفي الأثر المشهور عن عثمان وهو مروي عن عمر بن الخطاب ـ أيضا ـ إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)وذكر ـ أيضا ـ في «فتاويه» (5/ 67) أنه قد ثبت عن عثمان، فقال (وقد ثبت عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد أنه قال إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
ويروي عن عمر أيضا) سئل الشيخ ابن عثيمين في «لقاء الباب المفتوح» لقاء رقم (130)
س ما معنى هذا الحديث وما مدى صحته «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»؟
فأجاب لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يصنع به؟ يجلد، لا نقول نأتي به، نقرأ عليه"
الرواية رغم عدم صحة نسبتها للنبى(ص) صدقها القوم بدليل النقول السابقة التى نقلها المؤلف من بطون الكتب
الرواية مناقضة للقرآن للتالى :
أن السلطان ليس شخص وإنما هو حق أوجبه الله كما فى قوله تعالى :
"ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"
فالسلطان هو لولى القتيل وليس للسلطان بمعنى الملك أى الحاكم
والسلطان هو الوحى كما قال تعالى :
إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"
"قال قد وقع عليكم رجس من ربكم وغضب أتجادلوننى فى أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"
"ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه"
ما أنزل الله بها من سلطان تعنى ما أنزل الله بعبادة الآلهة المزعومة من وحى يبيح عبادتها
ومن ثم فالسلطان تعنى الحق وهو الوحى المنزل الذى يبيح أو يحرم الشىء
وأما كون السلطان أى الملك يخيف أكثر مما يخيف القرآن فهذا كلام غير صحيح كالتالى :
المسلمون دوما يخيفهم عذاب الله فى القرآن كما قال تعالى :
"الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب" وقال
"ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا"وقال:
"يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا"
المسلمون إذا لا يزعهم الحاكم وإننا يزعهم خوفهم من عذاب الله كما قال القرآن
وأما الكفار والمنافقين فلا يزعهم القرآن وهم فى ذلك مذاهب فكما يوجد كفار يخافون بطش حكامهم يوجد كفار لا يخافون من حكامهم ويحاربونهم ويحاربون قوانينهم سواء كانوا طبقا للقانون مجرمين أو إرهابيين أو غير هذا كما فى حالة مؤمن قوم فرعون أو حالة مؤمن يس وكما فى حالة من نصح موسى(ص) بالهرب من مصر
إذا المقولة خاطئة ولا يمكن أن يكون لها مكان ولا تصديق إلا فى مجتمعات يطلق عليهم مسلمون بالأسماء وليسوا مسلمين حقا وصدقا
وتبقى هناك نقطة وهى أن كل سلطة فى الإسلام هى من الله أى أنزل الله بها وحى كما فى سلطة الرسل التى قال تعالى فيها :
"وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن يسلط رسله على من يشاء"
مؤلف الكتاب إبراهيم بن عبد الله المديهش وهو يدور حول تخريج رواية إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وشرحها
الرواية لا أساس لها كحديث عن النبى(ص) فلا يوجد رواية مسندة تنسب القول للنبى (ص) وتوجد روايات متناقضة تنسبها أشخاص متعددين كعثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز والحسن البصرى وعمر بن الخطاب وفى هذا قال المؤلف:
"فمن الآثار المشتهرة على الألسنة «إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن»وإليك تخريجه، وألفاظه، وبيان معناه"
التخريج
"روي عن النبي (ص)ـ ولم أجده مسندا ـ، وروي عن عمر، وعثمان، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وذكر بأنه من قول أهل العلم والتجربة، والحكماء
بيان ذلك :
"1 ـ روي عن النبي (ص)ولم أجده مسندا قال ذلك الماوردي (ت 450 هـ) في «أدب الدنيا والدين» (ص 135) قال وروي عنه (ص)أنه قال «إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن»
وقال عدد من العلماء وفي الحديث، منهم ابن السكيت (ت 244 هـ) في «إصلاح المنطق» (ص 185) قال (ويقال وزعته أزعه وزعا، إذا كففته, وقال الأصمعي وجاء في الحديث «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن» , ويقال لا بد للناس من وزعة، أي من كففة)وابن قتيبة (ت 276 هـ) في «أدب الكاتب» (ص 346) قال (و «وزعت الناقة» كففتها، وجاء في الحديث «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن»، ومنه الوازع في الجيش، ولا بد للناس من «وزعة» أي من سلطان يكفهم) ومثله الهروي (ت 401 هـ) في «الغريبين» (6/ 1995)، وعلق عليه بقوله (أراد من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يزع القرآن يكفه خوف الله تعالى)
والطرطوشي (ت 520 هـ) في «سراج الملوك» (ص 61) ولفظه (إن الله تعالى ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن) قال معناه يدفع
ونشوان الحميري (ت 573 هـ) في «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم» (11/ 7151)، والمنجى بن عثمان التنوخي الحنبلي (ت 695 هـ) في «الممتع في شرح المقنع» (2/ 295) كلاهما بمثل لفظ الطرطوشيوابن كثير (ت 774 هـ) في «تفسيره» (5/ 111) قال (وفي الحديث «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع)
قلت يحتمل أنه يريد بالحديث الموقوف لا المرفوع
وابن الأزرق الأصبحي الأندلسي (ت 896 هـ) في «بدائع السلك في طبائع الملك» (1/ 107) قال (الحكمة الرابعة إنه يدفع بتخويفه وتهديده مالا يدفع بالقرآن بتكرار وعظه وترديده في الحديث «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن» وقال الطرطوشي معناه ليدفع قلت وذلك لما في الطباع البشرية من العدوان والاستعصاء عن الطاعة ومن ثم قال ابن المبارك
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
والزبيدي في «تاج العروس» (22/ 318)، ولفظه وفي الحديث «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن» أي من يكف عن ارتكاب الجرائم مخافة السلطان أكثر ممن تكفه مخافة القرآن
2 ــ روي عن عمر بن الخطاب
قال الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (5/ 172) أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال أخبرنا أحمد بن الحسين الهمذاني أبو حامد، قال حدثنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم، قال حدثنا جدي محمد، قال حدثنا الهيثم بن عدي، قال حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال سمعت عمر بن الخطاب، يقول «لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن»الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي، كذاب ونسبه لعمر أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) في «عمدة الكتاب» (ص 117)، ولفظه «لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن»وابن الطقطقي (ت 709 هـ) في «الفخري في الآداب السلطانية» (ص 61) بلفظ «يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن» قالوا لأن الناس يخافون من عواجل العقوبة أشد مما يخافون من آجلها
3 ــ روي عن عثمان بن عفان
أخرجه ابن شبة (ت 262 هـ) في «تاريخ المدينة» (3/ 988) ـ ط شلتوت ـ، و (2/ 115) رقم (1704) ـ ط دارالكتب العلمية ـ قال حدثنا موسى بن إسماعيل، قال حدثنا حماد، قال حدثنا يحيى بن سعيد أن عثمان قال «لما يزع السلطان الناس أشد مما يزعهم القرآن»
وأخرجه رزين من طريق يحيى بن سعيد كما في جامع الأصول» لابن الأثير (4/ 83) رقم (2071)حماد هو ابن سلمة، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو منقطع، يحيى لم يدرك عثمان، وقال ابن المديني لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس انظر «تهذيب الكمال» (31/ 358)وله طريق آخر أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» (1/ 118) قال أخبرنا إبراهيم بن شاكر، قال حدثنا محمد بن إسحاق القاضي، قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ الإمام بمصر، قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، قال حدثنا ابن القاسم، قال حدثنا مالك أن عثمان بن عفان كان يقول «ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن» أي من الناس قال قلت لمالك ما يزع؟ قال يكف وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب «المعرفة» له، قال حدثنا عفان قال أخبرنا إسماعيل يعني ابن علية عن ابن عون قال سمعت الحسن ــ وهو في مجلس قضائه فلما رأى ما يصنع الناس ــ قال والله ما يصلح هؤلاء الناس إلا وزعة قال إسماعيل يزعونهم أي يمنعونهم إلخقلت وهذا منقطع ـ أيضا ـ، ومثل هذه الأخبار يحتمل فيها مثل هذه العلل، فتقبل، لعدم تعلقها بحكم شرعي، خاصة مع صحة معناه، وتتابع العلماء على نسبة هذه المقولة لعثمان
نسبه إلى عثمان الآبي في «نثر الدر» (2/ 44)، والثعالبي في عدد من كتبه «الإعجاز والإيجاز» (ص 34)، وفي «التمثيل والمحاضرة» (ص 29)، و «اللطائف والظرائف» (ص 27)
والماوردي في «تفسيره» (4/ 199) ولفظه «ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن»والحصري في «زهر الآداب» (1/ 75)، والميداني (ت 518 هـ) في «مجمع الأمثال» (2/ 453)، والزمخشري في «ربيع الأبرار» (5/ 185)، والسمعاني في «تفسيره» (ت 489 هـ) (4/ 84)، واليفرني (ت 625 هـ) في «الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب» (1/ 467)، وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (11/ 416)، وعنه ابن القيم في «الطرق الحكمية» (2/ 683)، والنويري في «نهاية الأرب» (3/ 6)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (2/ 301)، وغيرهم كثيرذكره الغزي العامري (ت 1143 هـ) في «الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث» (ص 60) رقم (57) وقال (جاء عن عثمان موقوفا، ونحوه عن عمر موقوف) ونسبته إلى عثمان بن عفان هو الأكثر في كتب التراث قال ابن رشد (ت 520 هـ) في «البيان والتحصيل» (17/ 59) (قال مالك بلغني أن عثمان بن عفان قال ما يزع الإمام الناس أكثر مما يزعهم القرآن، قال يزعهم يكفهم قال محمد بن رشد المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر الله، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا، ولا اختلاف بين الأمة في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام وقال ابن رشد في موضع آخر (18/ 494) (وقال مالك قال العبد الصالح عثمان بن عفان ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، يعني ما يكف الناس عنه بالحدود قال محمد بن رشد تفسير مالك لقول عثمان صحيح، والمعنى فيه أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الله مخافة السلطان أكثر من الذين ينتهون عنها انتهاء لأمر الله عز وجل، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا ولا اختلاف بين أحد من العلماء في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام)
قال ابن العربي (ت 543 هـ) في «أحكام القرآن» ـ ط الكتب العلمية ـ (3/ 474) (روى أشهب قال قال مالك بن أنس قال عثمان ما يزع الناس السلطان أكثر مما يزعهم القرآن قال مالك يعني يكفهم قال ابن وهب مثله، وزاد ثم تلا مالك {فهم يوزعون} [النمل 17] أي يكفون وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام، فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن وهذا جهل بالله وحكمه وحكمته ووضعه لخلقه، فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة بقوام الحق، لا زيادة عليها ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية منها، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها؛ فلذلك لم يرتدع الخلق بها ولو حكموا بالعدل؛ وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور، وصلح الجمهور؛ وقد شاهدتم منا إقامة العدل والقضاء والحمد لله بالحق، والكف للناس بالقسط، وانتشرت الأمنة، وعظمت المنعة، واتصلت في البيضة الهدنة، حتى غلب قضاء الله بفساد الحسدة، واستيلاء الظلمة)
وقال ابن العربي ـ أيضا ـ في «أحكام القرآن» (2/ 208) (ولقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالرياسة للسياسة والملك لنفي الملك، وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية من كون الناس فوضى لحظة واحدة، فأنشأ الله الخليقة لهذه الفائدة والمصلحة على الملوك والخلفاء، كلما بان خليفة خلفه آخر، وكلما هلك ملك ملك بعده غيره؛ ليستتب به التدبير، وتجري على مقتضى رأيه الأمور، ويكف الله سبحانه به عادية الجمهور إلخ
4 ــ روي عن عمر بن عبدالعزيز ذكر ذلك الشوكاني في رسالته «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين» (ص 79) =
«الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني» (9/ 4676) قال (ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فإنه قال «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» قلت وأخشى أن يكون نسبته إلى عمر بن عبدالعزيز وهما ـ والله أعلم ـ
5 ــ روي عن الحسن البصري - رحمه الله -
ذكره أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت 542 هـ) في «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» (1/ 477) قال قول الحسن بن أبي الحسن البصري «يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»
6 ــ قيل وفي الأثر ـــ ولم ينسب لأحد ـــ
ذكره السرخسي (ت 483 هـ) في «شرح السير الكبير» (ص 169)
وكذا في «المبدع في شرح المقنع» (3/ 311)، و «كشاف القناع» (3/ 68)نسب إلى أهل العلم، والحكماء
قال الجاحظ (ت 255 هـ) كما في «رسائله» (1/ 313) (وقد قال أهل العلم، وأهل التجربة والفهم «لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن» وقد كان يقال شيئان متباينان، إن صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية فقد صلح السلطان، وعلى الله تمام النعمة في صلاح الرعية، حتى يحقق الأثر، وتصدق الشهادة في الخبر)قال ابن عبدربه (ت 328 هـ) في «العقد» (1/ 9) (قالت الحكماء إمام عادل، خير من مطر وابل وإمام غشوم، خير من فتنة تدوم ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن)قال ابن فارس (ت 395 هـ) في «مقاييس اللغة» (6/ 106) (وفي بعض الكلام «ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن»، أي إن الناس للسلطان أخوف)
8 ــ ذكره دون عزو لأحد
الجويني (ت 478 هـ) في «غياث الأمم في التياث الظلم» (ص 24)
قال المبرد (ت 285 هـ) في «الكامل في اللغة والأدب» (1/ 214) (وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه إذا وليتم فلينوا للمحسن، واشتدوا على المريب، فإن الناس للسلطان أهيب منهم للقرآن وقال عثمان بن عفان إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن قوله «يزع» أي يكف، يقال وزع يزع إذا كف، وكان أصله «يزع» مثل يعد فذهبت الواو لوقوعها بين ياء وكره واتبعت حروف المضارع الياء لئلا يختلف الباب، وهي الهمزة، والنون، والتاء، والياء نحو أعد ونعد، وتعد، ويعد، ولكن انفتحت في «يزع» من أجل العين لأن حروف الحلق إذا كن في موضع عين الفعل أو لامه فتحن في الفعل الذي ماضيه «فعل»، وإن وقعت الواو مما هي فيه فاء في «يفعل» المفتوحة العين في الأصل صح الفعل، نحو وحل يوحل، ووجل يوجل، ويجوز في هذه المفتوحة ياحل وياجل وييحل وييجل، وكل هذا كراهية للواو بعد الياء، تقول وزعته كففته، وأوزعته حملته على ركوب الشيء وهيأته له، وهو من الله عز وجل توفيق، ويقال أوزعك الله شكره، أي وفقك له وقال الحسن مرة ما حاجة هؤلاء السلاطين إلى الشرط فلما ولي القضاء كثر عليه الناس، فقال لا بد للسلاطين من وزعة)قال أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) في «معاني القرآن» (5/ 120) (أصل وزعته كففته ومنه لا بد للناس من وزعة ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن)وقال أيضا (6/ 257) (يقال وزعه يزعه ويزعه إذا كفه ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ومنه لا بد للناس من وزعة) قال الخوارزمي (ت 383 هـ) في الكتاب المنسوب إليه «مفيد العلوم ومبيد الهموم» (ص 407) الباب الأول في بيان حاجة الإنسان إلى السلطان
اعلم أن السلطنة والإمامة من مهمات الدين، وقد يتعين في رجل فيتقدم على نوافل العبادات، فبقاء الدنيا ونظام الدين بالسلطان، فما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن، ولله حارسان في الأرض وفي السماء، يحرسان الخلائق فحارسه في السماء الملائكة وحارسه في الأرض الملوك! وسر هذا أن الآدمي جبل مدني الطبع بلدي المأوى لا بد له من مطعم إلخ
قال السمعاني في «تفسيره» (ت 489 هـ) (4/ 84) (ومعناه ما يمتنع الناس منه خوفا من السلطان أكثر مما يمتنع الناس منه خوفا من القرآن)قال ابن الأثير (ت 606 هـ) في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (5/ 180)، وفي ط الخراط (9/ 4401) («وزع»
(هـ) فيه «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن» أي من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يكفه مخافة القرآن والله تعالى
يقال وزعه يزعه وزعا فهو وازع، إذا كفه ومنعه إلخ قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» (11/ 416) ( ولكن في بعض فوائد العقوبات المشروعة في الدنيا ضبط العوام كما قال عثمان بن عفان «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فإن من يكون من المنافقين والفجار فإنه ينزجر بما يشاهده من العقوبات وينضبط عن انتهاك المحرمات فهذا بعض فوائد العقوبات السلطانية المشروعة
وقال أيضا كما في «مجموع الفتاوى» (28/ 107) وعنه ابن القيم في «الطرق الحكمية» (2/ 683) (فصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات) قال الشاطبي (ت 790 هـ) في «الاعتصام» (1/ 293) ( لأن الإعذار والإنذار الأخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس، بخلاف الدنيوي، ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن، فالمبتدع إذا لم ينتهض لإجابة دعوته بمجرد الإعذار والإنذار الذي يعظ به، حاول الانتهاض بأولي الأمر، ليكون ذلك أحرى بالإجابة)
ذكر الشيخ ابن باز كما في «فتاويه» (1/ 129) (وفي الأثر المشهور عن عثمان وهو مروي عن عمر بن الخطاب ـ أيضا ـ إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)وذكر ـ أيضا ـ في «فتاويه» (5/ 67) أنه قد ثبت عن عثمان، فقال (وقد ثبت عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد أنه قال إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
ويروي عن عمر أيضا) سئل الشيخ ابن عثيمين في «لقاء الباب المفتوح» لقاء رقم (130)
س ما معنى هذا الحديث وما مدى صحته «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»؟
فأجاب لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يصنع به؟ يجلد، لا نقول نأتي به، نقرأ عليه"
الرواية رغم عدم صحة نسبتها للنبى(ص) صدقها القوم بدليل النقول السابقة التى نقلها المؤلف من بطون الكتب
الرواية مناقضة للقرآن للتالى :
أن السلطان ليس شخص وإنما هو حق أوجبه الله كما فى قوله تعالى :
"ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"
فالسلطان هو لولى القتيل وليس للسلطان بمعنى الملك أى الحاكم
والسلطان هو الوحى كما قال تعالى :
إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"
"قال قد وقع عليكم رجس من ربكم وغضب أتجادلوننى فى أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"
"ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه"
ما أنزل الله بها من سلطان تعنى ما أنزل الله بعبادة الآلهة المزعومة من وحى يبيح عبادتها
ومن ثم فالسلطان تعنى الحق وهو الوحى المنزل الذى يبيح أو يحرم الشىء
وأما كون السلطان أى الملك يخيف أكثر مما يخيف القرآن فهذا كلام غير صحيح كالتالى :
المسلمون دوما يخيفهم عذاب الله فى القرآن كما قال تعالى :
"الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب" وقال
"ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا"وقال:
"يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا"
المسلمون إذا لا يزعهم الحاكم وإننا يزعهم خوفهم من عذاب الله كما قال القرآن
وأما الكفار والمنافقين فلا يزعهم القرآن وهم فى ذلك مذاهب فكما يوجد كفار يخافون بطش حكامهم يوجد كفار لا يخافون من حكامهم ويحاربونهم ويحاربون قوانينهم سواء كانوا طبقا للقانون مجرمين أو إرهابيين أو غير هذا كما فى حالة مؤمن قوم فرعون أو حالة مؤمن يس وكما فى حالة من نصح موسى(ص) بالهرب من مصر
إذا المقولة خاطئة ولا يمكن أن يكون لها مكان ولا تصديق إلا فى مجتمعات يطلق عليهم مسلمون بالأسماء وليسوا مسلمين حقا وصدقا
وتبقى هناك نقطة وهى أن كل سلطة فى الإسلام هى من الله أى أنزل الله بها وحى كما فى سلطة الرسل التى قال تعالى فيها :
"وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن يسلط رسله على من يشاء"
رضا البطاوى- المساهمات : 1555
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
مواضيع مماثلة
» نظرات في كتاب البيان في حكم التغني بالقرآن
» نقد كتاب الله عز وجل يضحك
» نقد كتاب أحكام الله فوق كل شيء
» نظرات فى كتاب علو الله على خلقه
» قراءة في كتاب سب الله تعالى
» نقد كتاب الله عز وجل يضحك
» نقد كتاب أحكام الله فوق كل شيء
» نظرات فى كتاب علو الله على خلقه
» قراءة في كتاب سب الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى