قراءة فى بحث الشهاب الثاقب في الرد على من افترى على الصحابي حاطب
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى بحث الشهاب الثاقب في الرد على من افترى على الصحابي حاطب
قراءة فى بحث الشهاب الثاقب في الرد على من افترى على الصحابي حاطب
أبو محمد المقدسى والبحث هو :
دفاع عن حاطب بن أبى بلتعة فى حكاية لم تحدث طبقا للقرآن وهى أن حاطب راسل قريشا قبل فتح مكة بأن الرسول (ص) والذين آمنوا معه قادمون لفتحها وقد استهل البحث فقال :
"اعلم رحمك الله تعالى أنه قد تناهى إلينا احتجاج بعض المجادلين عن عساكر القوانين بشبهة قديمة يتوارثها المرجئة عن بعضهم البعض ليسوغوا باطل عساكر الشرك، وليرقعوا لهم وليدفعوا تكفيرهم ووصفهم بالشرك .. وهي قصة الصحابي البدري الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما أرسل إلى قريش عام الفتح يخبرهم بنية رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إليهم ..
قالوا: فمن تجسس على المسلمين لصالح المشركين أو أظهر للمشركين المودة وظاهرهم على الموحدين فليس بكافر، لأن حاطب بزعمهم قد فعل ذلك ومع هذا لم يكفره النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فموالاة الكفار ليست بكفر إلا أن يعتقد المرء استحلالها، ولولا ذلك لما كانت ذنبا يغفره عمل صالح كشهود بدر، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال لأهل بدر {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم}"
بدلا من أن يناقش المقدسى الرواية ليعرف هل هى صحيحة أم باطلة أى وقعت أم لم تقع كما هو الحال مع الذين يؤمنون بالأحاديث دون النظر فى تناقضاتها مع كتاب الله ومع بعضها البعض
بدلا من مناقشة الحديث ناقش القوم من العلمانيين وغيرهم فقال مسودا عشرات الصفحات :
" شبهة:
جعل البعض قوله تعالى (فإنه منهم) ظني الدلالة فجعله كقوله صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا) .. والحق أن هذا غير هذا لأن قوله (ليس منا) تحتمل أكثر من معنى فإن المتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من خواص المؤمنين وأكملهم إيمانا واتقاهم دينا وأزكاهم عملا فهو قد حقق الإيمان الكامل صلوات الله وسلامه عليه وسائر المؤمنين يتفاوت إيمانهم فمنهم من قد أتى بأصل الإيمان ومنهم من أضاف إليه الإيمان الواجب ومنهم من قد جاء بكمال الإيمان، فإذا قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) فيحتمل انه ليس من المؤمنين مطلقا أي: قد نقض أصل الإيمان، ويحتمل أنه ليس ممن أتوا بالإيمان الواجب، ولا ينفى الإيمان إلا لأحد هذين السببين .. ولما كان الحكم لله وحده والتسمية له وحده رددنا هذا الظني المتشابه إلى المحكم من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعرف مراد الحق من ذلك .. فوجدنا أن الغش ذنب دون الشرك الذي قال الله تعالى فيه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ونظرنا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فوجدناه لم يكفر الغاش في البر ولا أحل دمه و ماله، فوقفنا عند حدود ما شرع الله لنا وفسرنا (فليس منا) بأن عمله ليس من طريقتنا ولا سنتنا، وهو ليس منا أي ليس من المؤمنين الذين أتوا بكمال الإيمان الواجب، بل هو من عصاة المؤمنين وناقصي الإيمان، فحملنا النفي على درجة من درجات الإيمان؛ هي درجة الإيمان الواجب أو جزءا منها دون أن ينتقض ذلك من أصل الإيمان، ثم رجعنا إلى قوله تعالى {بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} فوجدنا أن قوله تعالى {إنه منهم} لا يمكن أن يحمل على غير الكفر؛ لأن المشركين والكفار كلهم خارج دائرة الإسلام وجميعهم ليسوا من ملة الإسلام، وإن تفاوتت درجات عداوتهم للدين، ونظرنا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فوجدناه قد أهدر دم من خرجوا في صف الكفار في بدر، وكثروا سوادهم أو ظاهروهم ـ ولو في الظاهر ـ على الموحدين، وأنه عامل من أسر منهم معاملة الكفار - مع أنهم زعموا الإسلام - كعمه العباس فقال له (إنما لنا ظاهرك) وقال: (افد نفسك وعقيل) فعرفنا ان قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} على ظاهره وحقيقته، إذ لم نجد له صارفا يصرفه عن ذلك إلى معنى آخر أخص كالنص الأول؛ ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم الإمام ابن حزم؛ الإجماع على إمضاء هذه الآية على ظاهرها .. .وعليه فلا يصح بحال قياس هذا على هذا أو إلحاق هذا بذلك ..
2 - ويقول تعالى: {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} الانفال
ففي هذه الآيات ذكر الله تعالى وصفا ظاهرا ومنضبطا جعله سبحانه علة وسببا لإباحة ضرب أعناق أهله الذين يتصفون به، وبين أنهم من الذين كفروا وعاقبهم بأن قذف في قلوبهم الرعب وأباح دماءهم .. {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}.
والمشاقة: أن يكون المرء المشاق في الشق المناوئ لشق الله ورسوله ..
وكذلك المحادة ان يكون المحادد في الحد المقابل والمواجه لحد الله ورسوله ولذلك قال تعالى: {ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم} التوبة.
والوعيد بالخلود في نار جهنم لا يذكر غالبا إلا في حق الكفار ..
ومثل ذلك المعاداة وهي أن يكون المرء في العدوة المضادة لعدوة عدوه.
ففي هذا كله دلالة واضحة وصريحة على أن من انحاز إلى صف الكفار أو حد المشركين أو شق المشاقين لله، وعدوة المعادين لدينه، فصار من انصارهم؛ أنه يكون من جملة الذين كفروا وممن أباح الله للمؤمنين ضرب أعناقهم، وتوعدهم بالخزي العظيم وهو الخلود في نار جهنم إن ماتوا على ذلك.
3 - يقول تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}
فهذا نص محكم قطعي الدلاله على أن تولي الكفار، ونصرتهم موجب لسخط الله والخلود في العذاب، - والخلود في العذاب لا يكون إلا للكفار- و لم يقيد الله ذلك بالاستحلال ولا بالاعتقاد، بل استدل سبحانه بما أظهروه من تولى الكفار على إنتفاء الإيمان من قلوبهم فقال: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ... } فتوليهم للكفار، هو كفرهم وهو دليل على انتفاء الإيمان من قلوبهم {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} فعكسوا وجعلوا انتفاء الإيمان من القلب (بالاستحلال أو الجحود القلبي) شرطا وقيدا لتكفير أولياء الطاغوت، ومعلوم أن ذلك شرط غير محسوس ولا ملموس حتى يصار إليه في أحكام الدنيا التي ينحصر فيها التكفير في الأعمال أو الأقوال الظاهرة والمنضبطة، أما أعمال القلوب واعتقاداتها فلا سبيل إلى ضبطها ومعرفتها إلا أن تترجم بقول أو عمل؛ فالتعويل إذن أولا وآخرا في أحكام الدنيا على ما يظهر من الأعمال والأقوال لا على ما يبطن من النوايا والاعتقادات التي لا يعلمها إلا الله؛ والتي لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنقيب عنها والسعي وراءها، فقال: (إني لم أومر أن أشق على قلوب الناس) ... هذا مع أنه مؤيد بالوحي؛ فكيف بغيره!؟
4 - ويقول تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لإن أخرجوا لا يخرجون معهم ولإن قوتلوا لا ينصرونهم ولإن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون}
فتأمل كيف عقد الله تعالى عقد الاخوة بين هؤلاء المظهرين للإسلام وبين الكفار فجعلهم إخوانهم (أي: كفرهم) بمجرد أن صدرت منهم وعودا بالنصرة للكفار إن حصل القتال بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد أخبرنا الله سبحانه عما في قلوبهم فشهد عليهم أنهم كاذبون بهذه الوعود غير صادقين ولا معتقدين!! لهذه النصرة، بل هو مجرد كلام كاذب ألقوه بأفواههم، ومع ذلك كفرهم الله تعالى به؛ بأن سماهم إخوان الذين كفروا ..
فكيف بمن كان من جواسيسهم أو عساكرهم وأفنى عمره وأسهر ليله في نصرتهم فعلا، بل زاد على ذلك حماية قوانينهم وحراسة شركياتهم وأقسم على احترم دساتيرهم والولاء لها ولأربابها؟؟ لا شك أنه يدخل في دلالة هذه الأية دخولا أوليا ..
5 - ويقول تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم}.
فاخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء المذكورين ارتدوا من بعد ما تبين لهم الحق والهدى، وذلك {بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر .. }.
فإذا كان من وعد المشركين الكارهين لما أنزل الله تعالى بطاعتهم في بعض الأمر، وتعاهد معهم على ذلك؛ كافر وإن لم يفعل ما وعدهم به، فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما أنزل الله تعالى على عداوتهم لأهل التوحيد .. وصار من جندهم المحضرين الذين يبذلون مهجهم وأرواحهم في سبيل تثبيت عروشهم .. فهؤلاء أولى بالردة من أولئك الذين وعدوا المشركين بطاعتهم في بعض الامر ...
فكيف بمن زاد على ذلك أن نذر حياته كلها للطاغوت فكانت طبيعة عمله ووظيفته أنه من أنصارهم أو جواسيسهم يغدو في غضب الله حارسا لقوانينهم ويمسي في سخط الله؛ يسهر على حفظ عروشهم وكفرياتهم؟؟ لا شك أنه ممن اتبع ما أسخط الله وأنه ممن ارتدوا على أدبارهم.
6 - ويقول تبارك وتعالى {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}
فهذا نص من الله تعالى صريح بأن الأصل في كل من قاتل في سبيل الطاغوت؛ أو نصره أنه من جملة الذين كفروا وأنه من أولياء الشيطان.
ومعلوم أن الطاغوت قد يكون مشرعا لما لم يأذن به الله، أو حاكما بغير ما أنزل الله، كما قد يكون قانونا أو حكما غير حكم الله أو تشريعا غير تشريع الله.
فهذه الأدلة المحكمة وغيرها مما لم نذكره تنص على أن من تولي الكفار بمعنى أنه نصرهم على الموحدين؛ أنه من جملتهم وأنه كافر مثلهم، فكيف إذا أضاف إلى ذلك نصرة قوانينهم وحراسة شركياتهم وحماية كفرياتهم وتثبيتها؟؟
وهي تدل على أن من أصول دين الإسلام وعراه الوثقى، أن المسلمين يجب أن يكونوا في عدوة وجهة، وعدوهم في عدوة وجهة أخرى، وأن من نصر صف الكفار وخذل صف الموحدين وأعان على طمس دعوتهم ورفع راية الشرك والمشركين، فإنه ليس من المسلمين بل هو من جملة المشركين.
وأي واقعة أخرى في السيرة أو قصة أو حادثة تأتي في ظاهرها معارضة لهذا الأصل الأصيل والقاعدة الجليلة المحكمة .. فلا يصح عند العارفين لدين الله الراسخين في العلم أن يعارض أو يهدم بها هذا الأصل، بل تفهم تلك الواقعة والحادثة المشكلة عند البعض على ضوء هذا الأصل الأصيل، ولا ينبغي أن تعارض أو تصادم نصوص الشرع بعضها ببعض.
بعد هذه المقدمة .. ننظر في حال حاطب .. ونسأل هذه الأسئلة: -
هل كان رضي الله عنه في شق المشاقين لله وشرعه؟ هل كان في حد المحادين لدين الله؟ أم هل كان في عدوة المعادين لله ورسوله .. ؟ أو كان جنديا من جنود الشرك؟؟؟ أم هل كان جاسوسا وعينا لهم؟؟ كهؤلاء العساكر وأولئك المخابرات أو المباحث أوالأمن الوقائي الذين يجادل عنهم أهل التجهم والإرجاء، ويمنعون ويرهبون من تكفيرهم، بل ويصفون من كفرهم بأنه من الخوارج وأنه يكفر المسلمين بالمعاصي؟؟؟!!!"
قطعا كل هذا الكلام هو فى سياق دفاع المقدسى عن جماعته ضد من يتحدث عنهم وقد ظل يتحدث طوال الكتاب مرددا نفس النغمة نافيا عن حاطب تهمة الجاسوسية أو الخيانة العظمى فقال :
"حاشا حاطبا، وحاشا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ..
وإذ لم يكن في حد أو شق أو عدوة أهل الشرك، ولا كان جنديا لهم ولا جاسوسا؛ بل كان في شق وحد وعدوة وصف أولياء الله وحزب الرحمن، فكيف يحل مقايسة حال هؤلاء المرتدين من جنود الشرك وعساكر التنديد، وأولياء الطاغوت؛ بزلة زلها أو خطأ ارتكبه متأولا ثم تاب، مهما كان حكم هذه الزلة ..
ثم أليس هناك فرق شاسع بين من كان جنس عمله وطبيعته وحقيقته؛ التجسس على المسلمين ومظاهرة المشركين فهم لهم جند محضرون (عبد مأمور) كما يقولون هم أنفسهم ..
وبين من زل زلة متأولا، فأفشى سرا للمسلمين في واقعة؟ وليس من عادته ذلك إذ هو في الأصل من جند الإسلام وعساكر التوحيد وفي شق وحد وعدوة القرآن والإسلام والإيمان، وكان من تأوله حين زل تلك الزلة أنه كان واثقا مصدقا بأنها لن تضر رسول الله ولا المسلمين لأنه موقن بنصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ..
والله ما استويا ولن يتشابها ... حتى تشيب مفارق الغربان
ولا يساوي بين الصورتين إلا من لا فرقان عنده بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ففرق كبير واضح وجلي بين أن يكون المرء من أنصار الطواغيت ومن جواسيسهم الذين هم عيونهم وآذانهم وشوكتهم فيعمل ليل نهار على تثبيت عروشهم وشركياتهم ويظاهرهم على أعدائهم ولو كانوا من خيار الموحدين، وبين من كان جنديا من جنود الإسلام ومن خلاصة أنصار المسلمين؛ لكنه ضعف وزل زلة متأولا أن لا ضرر على المسلمين في هذه الزلة فأفشى سرا لهم، فالأول هو الذي يوصف بأنه تجسس للكفار ويسمى بجاسوس أو عين المشركين، أما الثاني فلا يحل وصفه بذلك بحال من الأحوال، ولذلك فقد أحسن البيهقي في سننه وأجاد؛ حين بوب لقصة حاطب بقوله: (باب: المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين) (9/ 146)، وبعد ذلك مباشرة بوب بقوله: (باب الجاسوس من أهل الحرب) (9/ 147) لكنه أورد في هذا الباب حديث عين المشركين الذي قتله سلمة بن الأكوع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ونفله سلبه، وكذا حديث فرات بن حيان، فتأمل التفريق بين من كان بالفعل جاسوسا وعينا للمشركين ويتجسس نصرة لهم وإضرارا بالمسلمين، وتأمل حكم الرسول فيه، وبين من لم يكن كذلك، بل هو من جملة المسلمين وخلاصة أنصار الدين لكن أفشى سرهم متأولا أن لا ضرر في ذلك.
- ومع هذا تعالوا فلننظر إلى ظاهر هذه الزلة التي زلها حاطب، وكيف كان ينظر إليها الصحابة، وما حكمها عندهم مع أنها حادثة عين وزلة واحدة لهذا الصحابي، وليست هي جنس عمله ومنهجه، كما هو حال عساكر الشرك والتنديد.
فحاطب نفسه كان يعرف أن ظاهر مثل هذا العمل الأصل فيه أنه كفر وردة عن الدين، ومن فعله فإن الحكم الظاهر له أنه كافر مرتد، بل هذا الظاهر دليل على فساد الباطن كما تقدم في قوله تبارك وتعالى {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} ولا يخصص من هذا الظاهر أو يستثنى إلا من استثناه الله تعالى المطلع على البواطن أو النبي الذي يوحي إليه، لذلك كانت أول كلمات اعتذر بها حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم أن قال كما في البخاري (ما فعلت ذلك كفرا ولا إرتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام)
والمبادرة منه رضي الله عنه إلى هذا القول من أظهر الأدلة على أن الصحابة قد كان مستقرا عندهم أن الأصل في ظاهر هذا العمل أن يكون ردة وكفرا، وأنه دلالة على فساد الباطن كما في الآية ... ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (دعني أضرب عنقه)، ولا يقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر فهمه بأن تلك الفعلة الأصل فيمن أظهرها الكفر .. كلا، فما في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك؛ ومن قال ذلك، فقد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقله، وإنما الذي قاله الرسول عليه الصلاة و السلام؛ أنه استثنى حاطبا من أن يكون قد كفر في هذه الحادثة .. باطلاعه من طريق الوحي على سريرته وأنه لم يفعله نصرة للمشركين ومظاهرة لهم على الموحدين، وذلك بعد مقالة حاطب (ما فعلته كفرا ولا ارتدادا) فقال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم .. )
وقال: (وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فهذا الصحابي البدري قد استثناه النبي صلى الله عليه وسلم وزكاه وشهد بصدق سريرته وباطنه وأنه لم يفعل ذلك ردة أوكفرا أي لم يكن فعله نصرة ومظاهرة للمشركين على المسلمين، بل كان إفشاؤه لسر رسول الله مع تأوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منصور مؤيد لا محالة من الله؛ كبيرة من كبائر الذنوب اغتفرت مع كونه بدريا ..
فهل في المهونين من شأن موالاة الكفار والمشركين ونصرة عبيد الياسق والدساتير، المتنطعين بقصة حاطب، هل فيهم أو فيمن يجادلون عنهم اليوم على وجه الأرض بدريا اطلع الله على قلبه وأخبر أنه لن يكفر أويرتد، وأطلعنا أن انحيازه إلى شق الكفار وعدوة المشركين وحد المرتدين ليس نصرة لهم ولا مشاقة للمسلمين ومحادة لدينهم؟؟ ومن ثم يقال لهم اعملوا ما شئتم فإن كل ما ستعملونه مغفور لكم؛ لأنه لن يصل بحال إلى الكفر؛ ليتهاونوا في مثل هذا؟ ويتساقطوا فيه تساقطا .. ؟
هذا على فرض استواء عمل من يجادلون عنهم، بفعل حاطب، ونحن لا نسلم به ..
ولا نسألهم مثل ذلك السؤال إلا بعد أن يكونوا ممن يطلعون على السرائر، ويملكون الشق عن قلوب الناس والتنقيب عن بواطنهم؛ فيميزون بين من يفعلها ردة وكفرا (كيدا وإضرارا بالمسلمين) .. وبين من قام في قلبه مانع للتكفير كمانع حاطب رضي الله عنه، (وهو صدق الإيمان واليقين بنصر المسلمين، الدافع لتأوله بأن فعله لن يضر الإسلام والمسلمين بحال)؛ ودون ذلك خرط القتاد؛ فمن أين لهم ان يعلموا بعد انقطاع الوحي بصدق السرائر والبواطن من كذبها .. ومن يزكي لنا القلوب ويشهد لها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهذا مانع من موانع التكفير الحقيقية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولذلك لم يجعل مناطا للحكم على الناس في الدنيا.
لذلك كان الأصل فيمن أظهر تولي الكفار ونصرتهم والانحياز الى شقهم المشاق لله وحدهم المحاد لدينه وعدوتهم المعادية لشرعه؛ أن نحكم عليه بعد انقطاع الوحي بظاهره؛ والله يتولى السرائر .. بل نستدل بما أظهره من كفر على فساد باطنه، ولا يحق لنا أن نستثني أعيانا معينين بدعوى وجود موانع للكفر مغيبة باطنية او قلبية غير ظاهرة، لأن ذلك إن كان ممكنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو غير متأت لنا ولسنا به مكلفين؛ لأن الوحي قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن ناسا كانوا يأخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوء لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال أن سريرته حسنة) رواه البخاري في صحيحه.
فمن تولى الكفار وأظهر نصرتهم أو نصرة شركهم وانحاز إلى شقهم وحدهم وعدوتهم؛ عاملناه بما أظهر، ونحن مأجورون في إجراء أحكام الكفار عليه فسريرته ليست إلينا بعد انقطاع الوحي .. ولم نأمر بالشق عن قلوب الناس .. وليس لنا إلى ذلك سبيل .. ولذلك فاستثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب في هذه الواقعة من خصوصياته التي اختصه الله بها بما اطلعه على الغيب، ولا مجال للقياس عليه .. فليس لأحد أن يستثني بعد رسول الله، ولو تركنا حادثة العين هذه في حق الصحابي الذي كان من جنود التوحيد، ولا يصح بحال مقايسة زلته بكفريات جند الطواغيت، ونظرنا إلى الأصل المحكم في سيرة الرسول في طريقة تعامله مع من أظهر تولي الكفار وصار في صفهم ومن جندهم؛ وزعم أنه مع ذلك يبطن الإسلام والإيمان .. - وهذا هو التوصيف الحقيقي لواقع جند الطواغيت الذين يجادل عنهم المجادلون - فسنجده صلى الله عليه وسلم قد عامل من زعم أنه يبطن الإسلام من أسارى بدر بمعاملة الصف الذي كانوا فيه والعدوة التي خرجوا فيها، وما التفت إلى زعمهم ذاك، ولا عبأ به، لأنهم كانوا في صف الكفار وحد المحادين لله وعدوة الشرك وأهله، ومنهم عمه العباس كما تقدم .. ولذلك قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يأتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} .. أي: يعلم ذلك منكم علم واقع بإظهاركم للإسلام وإعلانكم البراءة من الشرك، وترككم لصف الشرك وانحيازكم لصف التوحيد .. ولذلك عوض النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس عن فدائه بعد إظهاره للإسلام وانحيازه للمسلمين، وقد كان يقول بعد ذلك (في أنزلت هذه الآية) .. فليست القضية بالمزاعم دون ان يصدق ذلك العمل ..
فهذه هي القاعدة وهذا هو الأصل فيمن كان في صف الكفار وعدوتهم وشقهم او أظهر توليهم ونصرتهم ..
وقد علمت أن حاطبا رضي الله عنه لم يكن في صف المشركين ولا كان من جندهم، بل كان في صف الموحدين ومن جندهم، و كان واثقا بنصر الله لنبيه لذلك قال: كما في رواية أحمد وأبو يعلى: (أما إني لم أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا؛ وقد علمت أن الله تعالى مظهر رسوله ومتم نوره).
ولذا قال الحافظ في الفتح (634/ : (عذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه).
فهو حين أفشى ذلك السر كان يعلم أنه لن يضر به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، لانه مؤمن بنصر الله لرسوله كما قال، وقد صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق سريرته بقوله (صدقكم) فعلم انه لم يكن بعمله ذلك ناصرا للمشركين مظاهرا لهم على المسلمين، فقد استقر في يقينه أن الرسول منصور لا محالة من ربه وأن عمله ذاك لن يضره ولن ينصر المشركين.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 521) عن بعض أهل المغازي، قال: وهو في (تفسير يحيى بن سلام) أن لفظ كتاب حاطب إلى كفار قريش: (أما بعد، يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز وعده فانظروا لأنفسكم والسلام) وكذا حكاه السهيلي .. فهو إنذار كالتهديد وكالدعوة إلى التوبة .. وانظر في هذا والذي قبله وتأمل ثقته بنصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من شأنه، ومع هذا كله فقد أنزل الله تبارك و تعالى بسبب فعلته هذه آيات عظيمات تقشعر منها جلود الذين آمنوا، فقال عز من قائل: {يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما اخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} الممتحنة.
ومعلوم أن حاطبا لم يوادد أعداء الله وإنما دفعه إلى ذلك العمل كما في حديث البخاري خوفه على ضعفة أهله الذين كانوا في مكة .. لكن الآيات نزلت عامة -كعادة القرآن في كثير من الوقائع - تقطع الطريق الموصلة إلى ما ينهى عنه، وتسد ذرائع المودة والتولي لأعداء الله ..
وأخيرا فلو تأمل العاقل في فعلة حاطب هذه وكيف شدد فيها، وكيف أنزل الله بسببها هذه الآيات العظيمة؛ مع ما تقدم فيها من أحوال .. ثم نظر بعد ذلك في أحوال جيوش الردة هذه وعساكر الشرك والتنديد وما يمارسونه من حماية للكفر ونصرة للقانون الوضعي وتثبيت لعرش الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به .. لعرف - إن كان له قلب حي - أن الخطب جلل، وأن الأمر جد خطير .. وليس هو كما يحاول أهل التجهم والإرجاء على اختلاف توجهاتهم تصويره وتهوينه ...
إذ التوحيد هو العروة الوثقى التي عليها مدار النجاة .. ومن خذله أو حاربه ووقف بالصف المحادد والعدوة المناوئة له؛ فقد باع أخراه بدنياه وصار من الجند الذين قال الله فيهم: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} وقال: {فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون .. }."
الكتاب وإن كان دفاعا عن حاطب فهو كتاب فى موضوع أخر وهو :
أن عمل من يعملون فى الأجهزة ألأمنية والحربية للقضاء على الجماعات هو كفر اتباعا للشيطان
وحكاية رسالة حاطب لم تقع للتالى :
أولا أن الله لا يقول للناس ومنهم أهل بدر :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وإنما يقول :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "
ويقول :
" أطيعوا الله "
ولو قال ذلك فليس له معنى سوى أنه يبيح لهم الكفر بعصيانه كما يبيح لهم الإسلام بطاعته معا وفى كلتا الحالتين يدخلون الجنة وهو ما يخالف قوله تعالى :
" وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ"
ثانيا أن النبى (ص) لا يعلم الغيب كما قال تعالى على لسانه :
" ولا أعلم الغيب"
وقال :
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
فكيف علم بأمر الرسالة ؟
وكيف علم أنها فى شعر المرأة أو ما شابه؟
ثالثا العفو عن حاطب دون أى عقوبة ومن المعروف أن الجريمة لابد عليها من عقاب والجريمة هنا خيانة
فلو افترضنا أنه عفا عنه فهذا ألأمر هو تشجيع لكل واحد على ارتكاب نفس الجريمة وهو أمر محال أن يفعله الرسول (ص)
قطعا الحكاية لم تحدث
أبو محمد المقدسى والبحث هو :
دفاع عن حاطب بن أبى بلتعة فى حكاية لم تحدث طبقا للقرآن وهى أن حاطب راسل قريشا قبل فتح مكة بأن الرسول (ص) والذين آمنوا معه قادمون لفتحها وقد استهل البحث فقال :
"اعلم رحمك الله تعالى أنه قد تناهى إلينا احتجاج بعض المجادلين عن عساكر القوانين بشبهة قديمة يتوارثها المرجئة عن بعضهم البعض ليسوغوا باطل عساكر الشرك، وليرقعوا لهم وليدفعوا تكفيرهم ووصفهم بالشرك .. وهي قصة الصحابي البدري الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما أرسل إلى قريش عام الفتح يخبرهم بنية رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إليهم ..
قالوا: فمن تجسس على المسلمين لصالح المشركين أو أظهر للمشركين المودة وظاهرهم على الموحدين فليس بكافر، لأن حاطب بزعمهم قد فعل ذلك ومع هذا لم يكفره النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فموالاة الكفار ليست بكفر إلا أن يعتقد المرء استحلالها، ولولا ذلك لما كانت ذنبا يغفره عمل صالح كشهود بدر، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال لأهل بدر {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم}"
بدلا من أن يناقش المقدسى الرواية ليعرف هل هى صحيحة أم باطلة أى وقعت أم لم تقع كما هو الحال مع الذين يؤمنون بالأحاديث دون النظر فى تناقضاتها مع كتاب الله ومع بعضها البعض
بدلا من مناقشة الحديث ناقش القوم من العلمانيين وغيرهم فقال مسودا عشرات الصفحات :
" شبهة:
جعل البعض قوله تعالى (فإنه منهم) ظني الدلالة فجعله كقوله صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا) .. والحق أن هذا غير هذا لأن قوله (ليس منا) تحتمل أكثر من معنى فإن المتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من خواص المؤمنين وأكملهم إيمانا واتقاهم دينا وأزكاهم عملا فهو قد حقق الإيمان الكامل صلوات الله وسلامه عليه وسائر المؤمنين يتفاوت إيمانهم فمنهم من قد أتى بأصل الإيمان ومنهم من أضاف إليه الإيمان الواجب ومنهم من قد جاء بكمال الإيمان، فإذا قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) فيحتمل انه ليس من المؤمنين مطلقا أي: قد نقض أصل الإيمان، ويحتمل أنه ليس ممن أتوا بالإيمان الواجب، ولا ينفى الإيمان إلا لأحد هذين السببين .. ولما كان الحكم لله وحده والتسمية له وحده رددنا هذا الظني المتشابه إلى المحكم من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعرف مراد الحق من ذلك .. فوجدنا أن الغش ذنب دون الشرك الذي قال الله تعالى فيه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ونظرنا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فوجدناه لم يكفر الغاش في البر ولا أحل دمه و ماله، فوقفنا عند حدود ما شرع الله لنا وفسرنا (فليس منا) بأن عمله ليس من طريقتنا ولا سنتنا، وهو ليس منا أي ليس من المؤمنين الذين أتوا بكمال الإيمان الواجب، بل هو من عصاة المؤمنين وناقصي الإيمان، فحملنا النفي على درجة من درجات الإيمان؛ هي درجة الإيمان الواجب أو جزءا منها دون أن ينتقض ذلك من أصل الإيمان، ثم رجعنا إلى قوله تعالى {بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} فوجدنا أن قوله تعالى {إنه منهم} لا يمكن أن يحمل على غير الكفر؛ لأن المشركين والكفار كلهم خارج دائرة الإسلام وجميعهم ليسوا من ملة الإسلام، وإن تفاوتت درجات عداوتهم للدين، ونظرنا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فوجدناه قد أهدر دم من خرجوا في صف الكفار في بدر، وكثروا سوادهم أو ظاهروهم ـ ولو في الظاهر ـ على الموحدين، وأنه عامل من أسر منهم معاملة الكفار - مع أنهم زعموا الإسلام - كعمه العباس فقال له (إنما لنا ظاهرك) وقال: (افد نفسك وعقيل) فعرفنا ان قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} على ظاهره وحقيقته، إذ لم نجد له صارفا يصرفه عن ذلك إلى معنى آخر أخص كالنص الأول؛ ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم الإمام ابن حزم؛ الإجماع على إمضاء هذه الآية على ظاهرها .. .وعليه فلا يصح بحال قياس هذا على هذا أو إلحاق هذا بذلك ..
2 - ويقول تعالى: {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} الانفال
ففي هذه الآيات ذكر الله تعالى وصفا ظاهرا ومنضبطا جعله سبحانه علة وسببا لإباحة ضرب أعناق أهله الذين يتصفون به، وبين أنهم من الذين كفروا وعاقبهم بأن قذف في قلوبهم الرعب وأباح دماءهم .. {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}.
والمشاقة: أن يكون المرء المشاق في الشق المناوئ لشق الله ورسوله ..
وكذلك المحادة ان يكون المحادد في الحد المقابل والمواجه لحد الله ورسوله ولذلك قال تعالى: {ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم} التوبة.
والوعيد بالخلود في نار جهنم لا يذكر غالبا إلا في حق الكفار ..
ومثل ذلك المعاداة وهي أن يكون المرء في العدوة المضادة لعدوة عدوه.
ففي هذا كله دلالة واضحة وصريحة على أن من انحاز إلى صف الكفار أو حد المشركين أو شق المشاقين لله، وعدوة المعادين لدينه، فصار من انصارهم؛ أنه يكون من جملة الذين كفروا وممن أباح الله للمؤمنين ضرب أعناقهم، وتوعدهم بالخزي العظيم وهو الخلود في نار جهنم إن ماتوا على ذلك.
3 - يقول تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}
فهذا نص محكم قطعي الدلاله على أن تولي الكفار، ونصرتهم موجب لسخط الله والخلود في العذاب، - والخلود في العذاب لا يكون إلا للكفار- و لم يقيد الله ذلك بالاستحلال ولا بالاعتقاد، بل استدل سبحانه بما أظهروه من تولى الكفار على إنتفاء الإيمان من قلوبهم فقال: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ... } فتوليهم للكفار، هو كفرهم وهو دليل على انتفاء الإيمان من قلوبهم {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} فعكسوا وجعلوا انتفاء الإيمان من القلب (بالاستحلال أو الجحود القلبي) شرطا وقيدا لتكفير أولياء الطاغوت، ومعلوم أن ذلك شرط غير محسوس ولا ملموس حتى يصار إليه في أحكام الدنيا التي ينحصر فيها التكفير في الأعمال أو الأقوال الظاهرة والمنضبطة، أما أعمال القلوب واعتقاداتها فلا سبيل إلى ضبطها ومعرفتها إلا أن تترجم بقول أو عمل؛ فالتعويل إذن أولا وآخرا في أحكام الدنيا على ما يظهر من الأعمال والأقوال لا على ما يبطن من النوايا والاعتقادات التي لا يعلمها إلا الله؛ والتي لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنقيب عنها والسعي وراءها، فقال: (إني لم أومر أن أشق على قلوب الناس) ... هذا مع أنه مؤيد بالوحي؛ فكيف بغيره!؟
4 - ويقول تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لإن أخرجوا لا يخرجون معهم ولإن قوتلوا لا ينصرونهم ولإن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون}
فتأمل كيف عقد الله تعالى عقد الاخوة بين هؤلاء المظهرين للإسلام وبين الكفار فجعلهم إخوانهم (أي: كفرهم) بمجرد أن صدرت منهم وعودا بالنصرة للكفار إن حصل القتال بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد أخبرنا الله سبحانه عما في قلوبهم فشهد عليهم أنهم كاذبون بهذه الوعود غير صادقين ولا معتقدين!! لهذه النصرة، بل هو مجرد كلام كاذب ألقوه بأفواههم، ومع ذلك كفرهم الله تعالى به؛ بأن سماهم إخوان الذين كفروا ..
فكيف بمن كان من جواسيسهم أو عساكرهم وأفنى عمره وأسهر ليله في نصرتهم فعلا، بل زاد على ذلك حماية قوانينهم وحراسة شركياتهم وأقسم على احترم دساتيرهم والولاء لها ولأربابها؟؟ لا شك أنه يدخل في دلالة هذه الأية دخولا أوليا ..
5 - ويقول تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم}.
فاخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء المذكورين ارتدوا من بعد ما تبين لهم الحق والهدى، وذلك {بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر .. }.
فإذا كان من وعد المشركين الكارهين لما أنزل الله تعالى بطاعتهم في بعض الأمر، وتعاهد معهم على ذلك؛ كافر وإن لم يفعل ما وعدهم به، فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما أنزل الله تعالى على عداوتهم لأهل التوحيد .. وصار من جندهم المحضرين الذين يبذلون مهجهم وأرواحهم في سبيل تثبيت عروشهم .. فهؤلاء أولى بالردة من أولئك الذين وعدوا المشركين بطاعتهم في بعض الامر ...
فكيف بمن زاد على ذلك أن نذر حياته كلها للطاغوت فكانت طبيعة عمله ووظيفته أنه من أنصارهم أو جواسيسهم يغدو في غضب الله حارسا لقوانينهم ويمسي في سخط الله؛ يسهر على حفظ عروشهم وكفرياتهم؟؟ لا شك أنه ممن اتبع ما أسخط الله وأنه ممن ارتدوا على أدبارهم.
6 - ويقول تبارك وتعالى {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}
فهذا نص من الله تعالى صريح بأن الأصل في كل من قاتل في سبيل الطاغوت؛ أو نصره أنه من جملة الذين كفروا وأنه من أولياء الشيطان.
ومعلوم أن الطاغوت قد يكون مشرعا لما لم يأذن به الله، أو حاكما بغير ما أنزل الله، كما قد يكون قانونا أو حكما غير حكم الله أو تشريعا غير تشريع الله.
فهذه الأدلة المحكمة وغيرها مما لم نذكره تنص على أن من تولي الكفار بمعنى أنه نصرهم على الموحدين؛ أنه من جملتهم وأنه كافر مثلهم، فكيف إذا أضاف إلى ذلك نصرة قوانينهم وحراسة شركياتهم وحماية كفرياتهم وتثبيتها؟؟
وهي تدل على أن من أصول دين الإسلام وعراه الوثقى، أن المسلمين يجب أن يكونوا في عدوة وجهة، وعدوهم في عدوة وجهة أخرى، وأن من نصر صف الكفار وخذل صف الموحدين وأعان على طمس دعوتهم ورفع راية الشرك والمشركين، فإنه ليس من المسلمين بل هو من جملة المشركين.
وأي واقعة أخرى في السيرة أو قصة أو حادثة تأتي في ظاهرها معارضة لهذا الأصل الأصيل والقاعدة الجليلة المحكمة .. فلا يصح عند العارفين لدين الله الراسخين في العلم أن يعارض أو يهدم بها هذا الأصل، بل تفهم تلك الواقعة والحادثة المشكلة عند البعض على ضوء هذا الأصل الأصيل، ولا ينبغي أن تعارض أو تصادم نصوص الشرع بعضها ببعض.
بعد هذه المقدمة .. ننظر في حال حاطب .. ونسأل هذه الأسئلة: -
هل كان رضي الله عنه في شق المشاقين لله وشرعه؟ هل كان في حد المحادين لدين الله؟ أم هل كان في عدوة المعادين لله ورسوله .. ؟ أو كان جنديا من جنود الشرك؟؟؟ أم هل كان جاسوسا وعينا لهم؟؟ كهؤلاء العساكر وأولئك المخابرات أو المباحث أوالأمن الوقائي الذين يجادل عنهم أهل التجهم والإرجاء، ويمنعون ويرهبون من تكفيرهم، بل ويصفون من كفرهم بأنه من الخوارج وأنه يكفر المسلمين بالمعاصي؟؟؟!!!"
قطعا كل هذا الكلام هو فى سياق دفاع المقدسى عن جماعته ضد من يتحدث عنهم وقد ظل يتحدث طوال الكتاب مرددا نفس النغمة نافيا عن حاطب تهمة الجاسوسية أو الخيانة العظمى فقال :
"حاشا حاطبا، وحاشا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ..
وإذ لم يكن في حد أو شق أو عدوة أهل الشرك، ولا كان جنديا لهم ولا جاسوسا؛ بل كان في شق وحد وعدوة وصف أولياء الله وحزب الرحمن، فكيف يحل مقايسة حال هؤلاء المرتدين من جنود الشرك وعساكر التنديد، وأولياء الطاغوت؛ بزلة زلها أو خطأ ارتكبه متأولا ثم تاب، مهما كان حكم هذه الزلة ..
ثم أليس هناك فرق شاسع بين من كان جنس عمله وطبيعته وحقيقته؛ التجسس على المسلمين ومظاهرة المشركين فهم لهم جند محضرون (عبد مأمور) كما يقولون هم أنفسهم ..
وبين من زل زلة متأولا، فأفشى سرا للمسلمين في واقعة؟ وليس من عادته ذلك إذ هو في الأصل من جند الإسلام وعساكر التوحيد وفي شق وحد وعدوة القرآن والإسلام والإيمان، وكان من تأوله حين زل تلك الزلة أنه كان واثقا مصدقا بأنها لن تضر رسول الله ولا المسلمين لأنه موقن بنصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ..
والله ما استويا ولن يتشابها ... حتى تشيب مفارق الغربان
ولا يساوي بين الصورتين إلا من لا فرقان عنده بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ففرق كبير واضح وجلي بين أن يكون المرء من أنصار الطواغيت ومن جواسيسهم الذين هم عيونهم وآذانهم وشوكتهم فيعمل ليل نهار على تثبيت عروشهم وشركياتهم ويظاهرهم على أعدائهم ولو كانوا من خيار الموحدين، وبين من كان جنديا من جنود الإسلام ومن خلاصة أنصار المسلمين؛ لكنه ضعف وزل زلة متأولا أن لا ضرر على المسلمين في هذه الزلة فأفشى سرا لهم، فالأول هو الذي يوصف بأنه تجسس للكفار ويسمى بجاسوس أو عين المشركين، أما الثاني فلا يحل وصفه بذلك بحال من الأحوال، ولذلك فقد أحسن البيهقي في سننه وأجاد؛ حين بوب لقصة حاطب بقوله: (باب: المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين) (9/ 146)، وبعد ذلك مباشرة بوب بقوله: (باب الجاسوس من أهل الحرب) (9/ 147) لكنه أورد في هذا الباب حديث عين المشركين الذي قتله سلمة بن الأكوع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ونفله سلبه، وكذا حديث فرات بن حيان، فتأمل التفريق بين من كان بالفعل جاسوسا وعينا للمشركين ويتجسس نصرة لهم وإضرارا بالمسلمين، وتأمل حكم الرسول فيه، وبين من لم يكن كذلك، بل هو من جملة المسلمين وخلاصة أنصار الدين لكن أفشى سرهم متأولا أن لا ضرر في ذلك.
- ومع هذا تعالوا فلننظر إلى ظاهر هذه الزلة التي زلها حاطب، وكيف كان ينظر إليها الصحابة، وما حكمها عندهم مع أنها حادثة عين وزلة واحدة لهذا الصحابي، وليست هي جنس عمله ومنهجه، كما هو حال عساكر الشرك والتنديد.
فحاطب نفسه كان يعرف أن ظاهر مثل هذا العمل الأصل فيه أنه كفر وردة عن الدين، ومن فعله فإن الحكم الظاهر له أنه كافر مرتد، بل هذا الظاهر دليل على فساد الباطن كما تقدم في قوله تبارك وتعالى {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} ولا يخصص من هذا الظاهر أو يستثنى إلا من استثناه الله تعالى المطلع على البواطن أو النبي الذي يوحي إليه، لذلك كانت أول كلمات اعتذر بها حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم أن قال كما في البخاري (ما فعلت ذلك كفرا ولا إرتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام)
والمبادرة منه رضي الله عنه إلى هذا القول من أظهر الأدلة على أن الصحابة قد كان مستقرا عندهم أن الأصل في ظاهر هذا العمل أن يكون ردة وكفرا، وأنه دلالة على فساد الباطن كما في الآية ... ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (دعني أضرب عنقه)، ولا يقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر فهمه بأن تلك الفعلة الأصل فيمن أظهرها الكفر .. كلا، فما في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك؛ ومن قال ذلك، فقد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقله، وإنما الذي قاله الرسول عليه الصلاة و السلام؛ أنه استثنى حاطبا من أن يكون قد كفر في هذه الحادثة .. باطلاعه من طريق الوحي على سريرته وأنه لم يفعله نصرة للمشركين ومظاهرة لهم على الموحدين، وذلك بعد مقالة حاطب (ما فعلته كفرا ولا ارتدادا) فقال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم .. )
وقال: (وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فهذا الصحابي البدري قد استثناه النبي صلى الله عليه وسلم وزكاه وشهد بصدق سريرته وباطنه وأنه لم يفعل ذلك ردة أوكفرا أي لم يكن فعله نصرة ومظاهرة للمشركين على المسلمين، بل كان إفشاؤه لسر رسول الله مع تأوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منصور مؤيد لا محالة من الله؛ كبيرة من كبائر الذنوب اغتفرت مع كونه بدريا ..
فهل في المهونين من شأن موالاة الكفار والمشركين ونصرة عبيد الياسق والدساتير، المتنطعين بقصة حاطب، هل فيهم أو فيمن يجادلون عنهم اليوم على وجه الأرض بدريا اطلع الله على قلبه وأخبر أنه لن يكفر أويرتد، وأطلعنا أن انحيازه إلى شق الكفار وعدوة المشركين وحد المرتدين ليس نصرة لهم ولا مشاقة للمسلمين ومحادة لدينهم؟؟ ومن ثم يقال لهم اعملوا ما شئتم فإن كل ما ستعملونه مغفور لكم؛ لأنه لن يصل بحال إلى الكفر؛ ليتهاونوا في مثل هذا؟ ويتساقطوا فيه تساقطا .. ؟
هذا على فرض استواء عمل من يجادلون عنهم، بفعل حاطب، ونحن لا نسلم به ..
ولا نسألهم مثل ذلك السؤال إلا بعد أن يكونوا ممن يطلعون على السرائر، ويملكون الشق عن قلوب الناس والتنقيب عن بواطنهم؛ فيميزون بين من يفعلها ردة وكفرا (كيدا وإضرارا بالمسلمين) .. وبين من قام في قلبه مانع للتكفير كمانع حاطب رضي الله عنه، (وهو صدق الإيمان واليقين بنصر المسلمين، الدافع لتأوله بأن فعله لن يضر الإسلام والمسلمين بحال)؛ ودون ذلك خرط القتاد؛ فمن أين لهم ان يعلموا بعد انقطاع الوحي بصدق السرائر والبواطن من كذبها .. ومن يزكي لنا القلوب ويشهد لها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهذا مانع من موانع التكفير الحقيقية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولذلك لم يجعل مناطا للحكم على الناس في الدنيا.
لذلك كان الأصل فيمن أظهر تولي الكفار ونصرتهم والانحياز الى شقهم المشاق لله وحدهم المحاد لدينه وعدوتهم المعادية لشرعه؛ أن نحكم عليه بعد انقطاع الوحي بظاهره؛ والله يتولى السرائر .. بل نستدل بما أظهره من كفر على فساد باطنه، ولا يحق لنا أن نستثني أعيانا معينين بدعوى وجود موانع للكفر مغيبة باطنية او قلبية غير ظاهرة، لأن ذلك إن كان ممكنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو غير متأت لنا ولسنا به مكلفين؛ لأن الوحي قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن ناسا كانوا يأخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوء لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال أن سريرته حسنة) رواه البخاري في صحيحه.
فمن تولى الكفار وأظهر نصرتهم أو نصرة شركهم وانحاز إلى شقهم وحدهم وعدوتهم؛ عاملناه بما أظهر، ونحن مأجورون في إجراء أحكام الكفار عليه فسريرته ليست إلينا بعد انقطاع الوحي .. ولم نأمر بالشق عن قلوب الناس .. وليس لنا إلى ذلك سبيل .. ولذلك فاستثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب في هذه الواقعة من خصوصياته التي اختصه الله بها بما اطلعه على الغيب، ولا مجال للقياس عليه .. فليس لأحد أن يستثني بعد رسول الله، ولو تركنا حادثة العين هذه في حق الصحابي الذي كان من جنود التوحيد، ولا يصح بحال مقايسة زلته بكفريات جند الطواغيت، ونظرنا إلى الأصل المحكم في سيرة الرسول في طريقة تعامله مع من أظهر تولي الكفار وصار في صفهم ومن جندهم؛ وزعم أنه مع ذلك يبطن الإسلام والإيمان .. - وهذا هو التوصيف الحقيقي لواقع جند الطواغيت الذين يجادل عنهم المجادلون - فسنجده صلى الله عليه وسلم قد عامل من زعم أنه يبطن الإسلام من أسارى بدر بمعاملة الصف الذي كانوا فيه والعدوة التي خرجوا فيها، وما التفت إلى زعمهم ذاك، ولا عبأ به، لأنهم كانوا في صف الكفار وحد المحادين لله وعدوة الشرك وأهله، ومنهم عمه العباس كما تقدم .. ولذلك قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يأتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} .. أي: يعلم ذلك منكم علم واقع بإظهاركم للإسلام وإعلانكم البراءة من الشرك، وترككم لصف الشرك وانحيازكم لصف التوحيد .. ولذلك عوض النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس عن فدائه بعد إظهاره للإسلام وانحيازه للمسلمين، وقد كان يقول بعد ذلك (في أنزلت هذه الآية) .. فليست القضية بالمزاعم دون ان يصدق ذلك العمل ..
فهذه هي القاعدة وهذا هو الأصل فيمن كان في صف الكفار وعدوتهم وشقهم او أظهر توليهم ونصرتهم ..
وقد علمت أن حاطبا رضي الله عنه لم يكن في صف المشركين ولا كان من جندهم، بل كان في صف الموحدين ومن جندهم، و كان واثقا بنصر الله لنبيه لذلك قال: كما في رواية أحمد وأبو يعلى: (أما إني لم أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا؛ وقد علمت أن الله تعالى مظهر رسوله ومتم نوره).
ولذا قال الحافظ في الفتح (634/ : (عذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه).
فهو حين أفشى ذلك السر كان يعلم أنه لن يضر به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، لانه مؤمن بنصر الله لرسوله كما قال، وقد صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق سريرته بقوله (صدقكم) فعلم انه لم يكن بعمله ذلك ناصرا للمشركين مظاهرا لهم على المسلمين، فقد استقر في يقينه أن الرسول منصور لا محالة من ربه وأن عمله ذاك لن يضره ولن ينصر المشركين.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 521) عن بعض أهل المغازي، قال: وهو في (تفسير يحيى بن سلام) أن لفظ كتاب حاطب إلى كفار قريش: (أما بعد، يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز وعده فانظروا لأنفسكم والسلام) وكذا حكاه السهيلي .. فهو إنذار كالتهديد وكالدعوة إلى التوبة .. وانظر في هذا والذي قبله وتأمل ثقته بنصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من شأنه، ومع هذا كله فقد أنزل الله تبارك و تعالى بسبب فعلته هذه آيات عظيمات تقشعر منها جلود الذين آمنوا، فقال عز من قائل: {يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما اخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} الممتحنة.
ومعلوم أن حاطبا لم يوادد أعداء الله وإنما دفعه إلى ذلك العمل كما في حديث البخاري خوفه على ضعفة أهله الذين كانوا في مكة .. لكن الآيات نزلت عامة -كعادة القرآن في كثير من الوقائع - تقطع الطريق الموصلة إلى ما ينهى عنه، وتسد ذرائع المودة والتولي لأعداء الله ..
وأخيرا فلو تأمل العاقل في فعلة حاطب هذه وكيف شدد فيها، وكيف أنزل الله بسببها هذه الآيات العظيمة؛ مع ما تقدم فيها من أحوال .. ثم نظر بعد ذلك في أحوال جيوش الردة هذه وعساكر الشرك والتنديد وما يمارسونه من حماية للكفر ونصرة للقانون الوضعي وتثبيت لعرش الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به .. لعرف - إن كان له قلب حي - أن الخطب جلل، وأن الأمر جد خطير .. وليس هو كما يحاول أهل التجهم والإرجاء على اختلاف توجهاتهم تصويره وتهوينه ...
إذ التوحيد هو العروة الوثقى التي عليها مدار النجاة .. ومن خذله أو حاربه ووقف بالصف المحادد والعدوة المناوئة له؛ فقد باع أخراه بدنياه وصار من الجند الذين قال الله فيهم: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} وقال: {فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون .. }."
الكتاب وإن كان دفاعا عن حاطب فهو كتاب فى موضوع أخر وهو :
أن عمل من يعملون فى الأجهزة ألأمنية والحربية للقضاء على الجماعات هو كفر اتباعا للشيطان
وحكاية رسالة حاطب لم تقع للتالى :
أولا أن الله لا يقول للناس ومنهم أهل بدر :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وإنما يقول :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "
ويقول :
" أطيعوا الله "
ولو قال ذلك فليس له معنى سوى أنه يبيح لهم الكفر بعصيانه كما يبيح لهم الإسلام بطاعته معا وفى كلتا الحالتين يدخلون الجنة وهو ما يخالف قوله تعالى :
" وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ"
ثانيا أن النبى (ص) لا يعلم الغيب كما قال تعالى على لسانه :
" ولا أعلم الغيب"
وقال :
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
فكيف علم بأمر الرسالة ؟
وكيف علم أنها فى شعر المرأة أو ما شابه؟
ثالثا العفو عن حاطب دون أى عقوبة ومن المعروف أن الجريمة لابد عليها من عقاب والجريمة هنا خيانة
فلو افترضنا أنه عفا عنه فهذا ألأمر هو تشجيع لكل واحد على ارتكاب نفس الجريمة وهو أمر محال أن يفعله الرسول (ص)
قطعا الحكاية لم تحدث
رضا البطاوى- المساهمات : 1554
تاريخ التسجيل : 21/08/2020
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب البيان الثاقب في شرح حديث حاطب
» قراءة فى كتاب كتب في الرد على ابن تيمية و ابن عبدالوهاب
» نقد رسالة في الرد على الهاتف من بعد
» الرد على مقال يعقوب ليس إسرائيل
» الرد على منشور علم الله وعلم الناس
» قراءة فى كتاب كتب في الرد على ابن تيمية و ابن عبدالوهاب
» نقد رسالة في الرد على الهاتف من بعد
» الرد على مقال يعقوب ليس إسرائيل
» الرد على منشور علم الله وعلم الناس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى